أصالة في المكان زانها عمران تراثي زادها بهاءً فرسان يمتطون صهوات جيادهم وهي تمشي الهوينا، لا تسمع إلا وقْع سنابكها وهي تعزف سيمفونية العزة والشهامة في دروب سوق الوكرة بمهرجان الربيع. هم ثلاثة فرسان يزينهم "الثوب" القطري والعقال والشماغ و"المجند" يمتطون جيادهم العربية الأصيلة التي ثُبِّتت على ظهورها سروج عربية يزينها شعار الدولة، تشهد بروعة وإتقان الحرفي التقليدي الذي توارث هذه المهنة التي لم تعصف بها رياح العولمة وزحف التصنيع. ويهتم القائمون على الجياد بالتفاصيل الفنية وتناسق الألوان، حيث يضعون السرج العنابي على ظهر الجواد الأبيض، والسرج الأبيض على ظهر الحصان الأسود أو الأشقر. يقفون تارة ويتسابق نحوهم الجمهور في فرحة غامرة لالتقاط صور للذكرى، ويمشون تارة في تناسق وتراص تامَيْن داخل السوق. يقول السيد خالد سيف السويدي، مدير سوق الوكرة في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، إن الهدف من إدراج عروض مسير الفرسان بمهرجان ربيع سوق الوكرة، هو الإسهام في الحفاظ على هذا الموروث الثقافي القطري الأصيل، وتقريبه من المواطنين والمقيمين والسياح على حد سواء، لافتا أن مرور الفرسان في السوق، يضفي على المكان رونقا خاصا، ويلقى إعجابا من قبل الجميع. وأوضح السويدي أن الخيل تابعة للمكتب الهندسي الخاص في الإسطبل الواقع بسوق واقف في الدوحة، منوها بأن خلف الخيل وفي الكواليس ورشة عمل تعمل كخلية نحل تعتني بها نظافة وإطعاما وتطبيبا وغير ذلك، مشيرا إلى أنه تم التقيّد بالزي القطري العربي الأصيل، حتى يبدو الفارس كما كان في القديم بكل تفاصيله. يقول الفارس حسين علي نيفو في تصريح لـ /قنا/: "عندما يأتي الفارس لينضم لفريق العمل، فإن أول شيء يتم القيام به هو التأكد من لياقته البدنية وإلمامه بالمجال، وبعد ذلك تُقدم له دورة خاصة تصل مدتها من شهرين إلى ثلاثة أشهر، يتم من خلالها تعليمه مراعاة أمن الناس وحمايتهم، وبعد ذلك يدخل للسوق". وأعرب الفرسان الثلاثة: حافظ الأحمد، عارف العنزي وعصام الصفوق، عن افتخارهم بالمحافظة على هذا الموروث الحضاري الذي يرمز للشهامة والبطولة، مشيرين إلى أن إحساسهم وهم يمتطون صهوات الجياد يفوق الوصف، وأنهم عندما يتغيبون عنها، يشعرون وكأن شيئا ينقصهم لتعلّقهم الكبير بها. وتبدأ علاقة الفرسان بجيادهم من الصباح الباكر، حيث يعتنون بها بمعاملاتهم والرفق بها والعناية الخاصة بأوزانهم من أجل مزيد من راحة الخيل وهي تقلّهم. أما "السياس/ الشخص الذي يعتني بالخيل"، فإنه يجهّز للخيول فطورها الصباحي، وقبل الركوب يتم مشط شعرها وتنظيف رأسها، حتى تكون جاهزة، وبعد عودتها تخضع لعملية "استحمام" ثم تنشيفها في الشمس، ويفرشون لها "الرودس/ الحشيش الأخضر" من أجل راحتها. وتتم مراعاة حالة الطقس وتقلباته في التعامل مع الخيل، حيث في الجو البارد يتم إلباسها اتقاء زمهرير الشتاء، فضلا عن توفير الإسعافات الأولية لها وزيارة طبيب بيطري لها مرتين في الأسبوع، ويتم عزل الجياد المريضة في غرفة خاصة إلى أن تتعافى. أما الحالات الطارئة فيتم نقلها إلى نادي الفروسية بعربة صغيرة لنادي الفروسية، بحسب الفارس حسين علي نيفو. ولا يقتصر الفرسان على ركوب خيلهم والسير بها في السوق، وإنما هم أبطال في الفروسية يشاركون في بطولاتها المتعددة، مما يستلزم منهم قضاء وقت أطول في التدريبات. والخيول الرابضة في إسطبلات سوق واقف، بحسب حسين علي، هي عربية أصيلة ومن دول متعددة وعددها حاليا 23 فرسا بينها الصغيرة والأفحُل، ويتم تخصيصها لاستقبال كبار الضيوف. وعرف عن قطر، اهتمام خاص بالخيول العربية الأصيلة منذ القدم وإلى وقتنا الحاضر، إذ كانت رفيقة دربهم في السلم والحرب. ومن هذا المنطلق، أسس صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الشقب عام 1992، تكريماً للخيل الشجاعة التي امتطاها فرسان قطر المنتصرون في الماضي وللتأكيد على أن الجواد العربي سيستمر في القيام بدور فعال وقيادي في التراث الثقافي للشعب القطري، وتتمثل رؤيته في الحفاظ على أفضل سلالات الخيل العربية الأصيلة كما يهدف من خلال الشقب إلى تقديم مساهمة سامية وقيمية للسلالة العربية ليس فقط في قطر، وإنما في جميع أنحاء العالم. ويهدف الشقب من خلال فلسفة الإنتاج إلى المحافظة على النسل العربي وإنتاج خيل جميلة ورياضية تتمتع بصفات أخلاقية عظيمة، وأن يكون لديه بنية رياضية قوية تمكنها من حمل فرسانها إلى مناطق بعيدة كما كانوا يفعلون في الماضي. ويُعد الحصان العربي من أعرق سلالات الخيول في العالم وأغلاها ثمناً، ويرجع ذلك إلى عناية العرب بسلالات خيولهم الممتازة والمحافظة على أنسابها، مما جعلها أفضل الخيول الموجودة الآن في العالم، وأجودها على الإطلاق. فهي تجمع بين جمال الهيئة، وتناسب الأعضاء، ورشاقة الحركة، وسرعة العدو من جهة، وحدّة الذكاء، والمقدرة العالية على التّكيُف فالحصان العربي الأصيل يعتبر من أقدم الجياد على الإطلاق بدمه الأصيل، بل إن الحقائق التاريخية تشير إلى أن بلاد العرب لم تعرف إلا سلالة واحدة من الخيل الأصيل استخدمت لغرضين اثنين هما الحرب والسباقات. ويمتاز الحصان العربي بصفات الجمال والشجاعة وله خمس عائلات عرفت عند العرب كل عائلة تمتاز بصفة تميزت بها عن غيرها وتجتمع كل العائلات الخمس في صفة موحدة وهي أن قدرة حمل الأكسجين في كريات الدم لديه أكثر من غيره من الخيول الأخرى. وكما عرف عنه حدة الذكاء ومعرفة صاحبه وحفاظه على سلامته، وقد أعجب الأوروبيون بالحصان العربي عندما رأوه في الحملات الصليبية لجماله ورشاقته وخفة حركته مما يزيد من مهارة المحارب فوقه وحرص القادة على اقتنائه ومن ثم تم تهجينه مع خيول أوروبا نتج عنه خيول السباق التي نراها اليوم. م . م;
مشاركة :