المثقف المنزوي.. ظاهرة حميدة أم سلبية؟

  • 2/1/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ربما يكون من الطريف وصفُ شيء خفيٍ لا تلحظه العيون بالظاهرة، ولكن اللغة تسعف وتتسع لهذا الوصف، الذي يحكي عن واقعٍ حقيقي في بلادنا، وفي بلدان أخرى حول العالم. وفي هذا التقرير محاولةٌ لفهم هذا الواقع وتفسيره. أين الجمهور؟ هناك مؤشراتٌ تدل على أن فعل الثقافة في بلادنا واسعٌ جداً، أوسع بكثير من الأوعية الرسمية التي تظهر فعالياتها الثقافية مفارقة واضحة، بين إقبال جماهيري ضخم على بعضها كمعارض الكتب، وغياب شبه تام عن بعضها الآخر كفعاليات الأندية الأدبية التي يطبعها سمتٌ غالبٌ، وهو محدودية الحضور، وقلة إقبال الجمهور. يرى البعضُ أن هذا العزوف الكبير عن فعاليات الأندية الأدبية، وعن ارتياد المكتبات العامة، وحضور الندوات الفكرية، يدل على أن المثقفين في بلادنا أقليةٌ نادرة، وربما توشك على الانقراض. ويرى آخرون أن لدينا مثقفين أكثر مما يبدو، ولكن فعاليات الأندية الأدبية لا تجذبهم، لأسبابٍ شخصية، أو لقصور في التسويق لتلك الفعاليات، أو لضمور عضلات تلك المؤسسات الثقافية. المثقف المنزوي!! المثقف المنزوي هو ذلك القارئ النهم، الذي يمتلك مكتبةً شخصية في منزله، ويقضي الكثير من وقته بين الكتب، قارئاً ومفكراً ومناقشاً لأصدقائه المقربين ودائرته الاجتماعية المحدودة. يحرص القارئ المنزوي على اقتناء الكتب، ويزور المكتبات بانتظام، وتنمو بينه وبين العاملين فيها مودةٌ بسبب تكرار الزيارة والشراء، كما أن القارئ النهم يزور معارض الكتب داخل المملكة وخارجها، ويخصص لها مقداراً معتبراً من دخله. وفي الغالب لا تكون هناك علاقةٌ واضحة بين اهتمامه الشخصي بالثقافة وبين مجال عمله، الذي قد يكون في مدرسة أو مستشفى أو مصنع أو مخفر شرطة أو دائرة خدمية. ولا يمتلك المثقف المنزوي حسابات في فيس بوك وتويتر، وهي - في حال وجدت - لا تدل على شخصيته بالشكل الكافي، ولا تنعكس اهتماماته الثقافية عليها من حيث المحتوى، ولا الجمهور، ولا يوجد الكثير من الصدى لما يكتبه، إذ يعيش على هامش المجتمع، بعيداً عن الصخب والسجالات الفكرية والحوارات المجتمعية. وليس للمثقف المنزوي كتبٌ ولا مقالات منشورة، ولا يشارك في محاضرات ولا ندوات، وفي بعض الحالات لا يمتلك الجرأة ولا الكثير من المهارات الاجتماعية. وحين يمتلكها فهو لا يرغب في الشهرة، وهو ليس مستعداً لعرض نفسه على المنابر الثقافية المشغولة باستضافة النجوم. محمد الزيد واحد من المثقفين المنزوين، يبرر انزواءه بأن الثقافة شأن شخصي، وهو مستغرق في القراءة والاطلاع لكي يفهم الحياة ويجيب عن الأسئلة التي تؤرقه، ولكي يستمتع استمتاعاً خالصاً، وليس لكي يصبح معلماً للآخرين أو وسيطاً معرفياً. أما عبدالحميد بوعمر فيقول: وقتي موزع بين مكتبي في العمل ومكتبتي في المنزل، وحين أكون في مكتبتي التي تضم خمسة عشر ألف عنوان، أجد نفسي أمام بحر من الكتب لا يتسع العمر للسباحة فيه، ليس لدي استعداد لتضييع وقتي من أجل الآخرين. يجد آخرون أن الجو الثقافي لا يشجع على الانخراط فيه، ويعتذر غيرهم بارتباطات العائلة والأولاد التي لا تنتهي، والتي لا تتيح للإنسان أن يكون فعالاً كما يجب، والبعض الآخر يرى أنه لا أجمل من الجلوس إلى صديقين أو ثلاثة، والحديث معهما عن كتابٍ جديد، أو النقاش حول فكرة أو مفهوم ما.. ذلك أجمل من زحام المحاضرات، وما تفرضه الأضواء من ارتباطات كثيرةٍ. أخيراً.. هناك من يرى أن ظاهرة المثقف المنزوي دليلٌ على شيوع روح السلبية في فئات من المهتمين بالشأن الثقافي، وأنه لا بد من تفعيل هذه الطاقات الحبيسة، لبث الوعي وتنوير المجتمع ومساعدته على أن يغدو مجتمعاً أرقى وأفضل.

مشاركة :