لم يجدوا من يبحث عنهم ويقتفي أثرهم، فقد سيقوا إلى غياهب النسيان ومكثوا في الجزء المظلم من التاريخ الذي لا يعرف أحد عنه شيئاً... هم العرب الذين قادتهم ظروف عملهم أو هجرتهم أو احتلال بلادهم في الأربعينيات من القرن الماضي إلى معسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1944)، فلاقوا كل صنوف الآلام والتنكيل دون أن يذكرهم التاريخ بجملة مفيدة. الترميز الاستعماري ذكر غرهرد هُب في كتابه "العرب في المحرقة النازية... ضحايا منسيون"، الذي ترجمه محمد جديد، أن المعتقلين العرب في معسكرات النازية أدُرج معظمهم تحت بند التبعية الفرنسية، باعتبارهم كانوا ينتمون إلى مناطق المستعمرات الفرنسية في شمال إفريقيا والشرق الأدنى. وأشار إلى أن ثمة آخرين استخفوا وراء تسمية الإيطاليين وكذلك الأسبان للسبب نفسه. اعلان وهذا الترميز الاستعماري كان يُطبق في أوروبا وبالتالي طُبق على ضحايا عرب للنازية، مما ساهم في تجريد كثيرين من هويتهم القومية وأبعدهم بصفتهم من أتباع الحواضر الاستعمارية إلى مناطق الظل والنسيان. وأوضح هُب أن الصراع العربي الإسرائيلي ساهم في إدراج العرب في خانة المذنبين والمتعاونين مع النازية وليس الضحايا. وبناء على عدد من المعطيات، منها الاسم ومكان الميلاد، أكد الكاتب أن عدد المعتقلين العرب في المعسكرات النازية لم يكن يقل بأي حال عن ألف، إلا أنه توصل بصورة محددة إلى بيانات أكثر من 450 معتقلاً عربياً وهم من المسلمين في المقام الأول، وكان بينهم أيضاً مسيحيون ويهود. معسكرات النازية وهوية المعتقلين كان المعتقلون العرب في كل معسكرات الاعتقال النازية تقريباً، فقد ثبت وجود 34 عربياً في معسكر آوشفتس، وفي برغن - بلزن 21، وفي بوخنفلد 149، وفي دخاو 84، وفي فلسنبرغ 39، وفي غروس روزن 12، وفي معسكرات منظمة الدفاع الألمانية وجد في هنسرت 3، وفي ماوتهوزن 62، وفي مملباو - دورا 39، وفي نتسفايلر 37، وفي نوينغمه 110، وفي رافتربرك 25، وفي ريغا - كايزرفالد 1، وفي زكسنهاوزن 42، وفي معسكر الإبادة في لبلين – ميدنك 4. وكان معظم المعتقلين العرب من شمال إفريقيا، فمن الجزائر وجد 248 شخصاً، والمغرب 27، وتونس 22، ومصر 5، والعراق 4 وكذلك فلسطين وشخص واحد لكل من لبنان وسوريا، وكان من بين هؤلاء يهود معظمهم أتى من ليبيا واليمن. وكانت هناك نساء معتقلات أيضاً. أقوال جاهزة شارك غردالعرب في المحرقة النازية... ضحايا منسيون شارك غردالصراع العربي الإسرائيلي ساهم في إدراج العرب في خانة المتعاونين مع النازية وليس الضحايا أسباب الاعتقال بعد بداية الحرب مباشرة اعتُقل في ألمانيا وفي النمسا المنتمون إلى ما يسمى بالدول المعادية، وكان بينهم أكثر من مئة عربي، في مقدمتهم المصريون بجانب العراقيين واللبنانيين والجزائريين. وقال هُب إن السلطات الألمانية اعتقلت المصريين في معسكر فرتسبورغ بالقرب من نورنبرغ كرهائن مقابل كل الألمان الذين اعتقلهم الإنجليز في مصر، وذلك بمقدار مصريين اثنين مقابل كل ألماني معتقل في مصر، ولم يُطلق سراح المعتقلين من المعسكر إلا في يونيو 1941 في ظل ضجة دعائية كبيرة وبعضهم كان يعاني من داء مستحكم. وذكر هُب أن عدداً آخر من المعتقلين كانوا مهاجرين إلى فرنسا وأدُخلوا إلى معسكرات النازية على خلفية اتهامهم بالقتال ضد النازيين في حركة المقاومة الفرنسية أو مساندتها، والجزء الآخر زُج به كأسرى حرب من الجيش الفرنسي المهزوم حيث كانوا يؤدون فيه الخدمة العسكرية بحكم كونهم ملتزمين بخدمة العلم. واعتقل معظم العرب في فرنسا عن طريق شرطة الأمن في كُمبيين بالقرب من باريس، وكذلك في بوردو وليون وتولوز وفلنس وشيرمك، كما تم اعتقالهم من النمسا وأماكن أخرى فى ألمانيا مثل فرانكفورت وماين وكارلزروه وكولونيا، كما حدثت عملية نقل للمعتقلين العرب من بروكسل وتونس. نحو خُمس المعتقلين العرب لم يخرجوا أحياء من بعد الإقامة في معسكرات الاعتقال، وكانت الأمراض لا سيما السل والوهن الجسدي العام يمثلان السببين الأكثر تواتراً في هذا السياق، وأصيب بعضهم داخل معسكرات الاعتقال بعجز تام عن العمل، وتم إعدام واحد على الأقل من المعتقلين، وهو المغربي محمد بوعياد في معسكر اعتقال ماوتهون في غرفة غاز، حسبما ذكر الكتاب. وأكد هُب أن المعتقلين العرب لم يشكلوا الاستثناء بل كانوا يمثلون القاعدة الخاصة بالإرهاب النازي، وذلك أنهم لم يكونوا في عداد أهل الامتيازات ولا في عداد المصطفين الأخيار عند النازيين، ومن ثم فلا مجال للقول بأن آلامهم كانت أخف وطأة من آلام سائر المعتقلين وأنها ما كان ينبغي أن تُسرد أو تكتب. أكمل القراءة الآلة الإعلامية وندرة المعلومات بالفعل يوجد ضحايا عرب في محرقة النازية ولكن لا توجد معلومات كافية عنهم، قال الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر لرصيف22. وأرجع تجاهل ضحايا العرب في معسكرات النازية إلى ضعف الدول العربية أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها، إذ لم تكن قد تحررت من الاستعمار الأجنبي ومن ثم لم تتمكن من الدفاع عن مواطنيها الذين زُج بهم في هذه المعسكرات. العرب الذين اعتقلوا في هذه المعسكرات كانوا يعيشون في أوروبا وتحديداً ألمانيا، وكثيرون منهم ضبطوا ظلماً بسبب تصور النازي بوجود علاقة ما تربط بينهم وبين اليهود في هذه البلاد، أو أنهم كانوا يتعاونون بشكل أو بآخر مع جيوش الحلفاء، ومن ثم قُتل كثير منهم ونالوا المصير نفسه لمن زج بهم إلى المحرقة من اليهود، حسبما أوضح شقرة. وقال الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة لرصيف22 إن هتلر كان يعادى الشعوب السامية بشكل عام ويعتقد بدونيتها مقابل الجنس الآري وكان يرى أنها لا تساعد على التقدم، ومن ثم كان من الطبيعي أن تحتوى معسكرات الاعتقال النازية على عرب باعتبارهم ساميين. ويشير إلى أن ندرة المعلومات المتوافرة عن أوضاع العرب فى معسكرات النازية حال دون وجود دراسات تلقى الضوء على أوضاعهم أو مصائرهم وساهم أيضاً في ضياع حقوقهم. احتمالية بعيدة الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان قال لرصيف22 إنه لم يتعرض في قراءاته الكثيرة لضحايا عرب كانوا ضمن ضحايا الهولوكوست أو ضمن معتقلي المعسكرات النازية. وقال إنه من الوارد أن يكون من بين الضحايا يهود عرب، ولكنه يستبعد أن يكون هناك عرب مسلمون ومسيحيون. واتفق الدكتور عبد المنعم الجميعي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الفيوم مع الرأي السابق، وقال لرصيف22 إن كل ما يعرفه في هذا السياق أن مفتي عام القدس آنذاك، الحاج أمين الحسيني قابل هتلر في ألمانيا وكان مسانداً له في حربه ضد الحلفاء، لكن لا تتوافر لديه أية معلومات بشأن وجود ضحايا عرب ضمن محرقة النازي أو في معسكراته. اقرأ أيضاً من هيلغا إلى ساجدة… لاجئون من الحرب العالمية الثانية يراسلون أطفالاً سوريين حقائق مثيرة عن "القبلة" وتاريخها، بين أنف الإنسان وشفتيه منافي العرب القديمة أصبحت حلماً لهجرة أحفادهم كلمات مفتاحية الإسلام الحرب العالمية الثانية العالم العرب المسيحية التعليقات
مشاركة :