لا تزال ثمة ثغرات كثيرة في إتقان الأطباء أداء جوانب شتى من أعمالهم اليومية خلال تقديم الرعاية الطبية للمرضى، وهي التي تؤدي إلى ضعف العلاقة بالمريض واختلاف تقييم الأطباء حول مدى تأثيرات المرض عليه وتباين في نوعية نتائج تقديم الرعاية الطبية له. ولذا نلحظ لدى أوساط المرضى أن هناك أطباء ناجحين جدًا وأطباء دون ذلك، على الرغم من حصولهم على شهادات علمية متقاربة وإجرائهم الفحوصات ذاتها للمريض ووصفهم أدوية متشابهة له. ولعل أهم سببين هما: إما عدم وجود معرفة طبية حول جانب معين من جوانب المرض يتم ترجمتها إلى إرشادات ونصائح طبية يلجأ إليها الأطباء لتؤدي إلى توافق آرائهم الطبية، أو أن بناء الطبيب وأسلوب عمله يتم بطريقة تجعله يتعامل فقط مع المرض باعتباره «الخصم» الذي يُواجهه الطبيب دون النظر إلى المريض كإنسان. وللتوضيح في السبب الثاني، فإن المريض هو إنسان أصابه مرض فحضر إلى الطبيب، وليس كتلة من «مرض» معين حضرت إلى الطبيب، والإنسان لديه جوانب بدنية ونفسية واجتماعية وأسرية ووظيفة وعمل وأحلام وطموحات، وحينما يصيبه المرض تتأثر بدرجات متفاوتة تلك الجوانب لديه، والمطلوب من الطبيب التعامل معه كإنسان وليس كمجرد مرض في أحد صمامات القلب مثلاً. وللتوضيح أيضًا في السبب الأول، لا تزال هناك بعض الجوانب حول كثير من الأمراض لا يتم الالتفات إليها بالشكل اللائق والمطلوب لضمان اكتمال تقديم الرعاية الطبية للمريض، لأنه إما لا توجد معلومات طبية حولها على هيئة إرشادات طبية واضحة العناصر، أو أن الطبيب لا يُولي ذلك الأمر أهمية مقارنة مثلا بإجرائه للعملية الجراحية للمريض. ومن أوضح الأمثلة على ما تقدم هو موضوع الإعاقة Disability التي تسببها الأمراض المختلفة للإنسان وكيفية تقييم تلك الإعاقات وتأثيراتها المتسلسلة على جوانب شتى من حياة وكيان ذلك الإنسان المريض. وقد انصبت دراسة الباحثين من جامعة بازل في سويسرا والمنشورة ضمن عدد 25 يناير (كانون الثاني) من المجلة الطبية البريطانية BMJ تحديدًا حول التفاوت والاختلافات فيما بين تقييم الأطباء للإعاقات لدى المرضى. ولاحظ الأطباء في نتائج دراستهم أن المتخصصين الطبيين يُقدمون آراء متباينة بشكل كبير حول تقييم مدى العجز لدى المرضى، خصوصًا عند التعامل مع طلبات استحقاق المعونة المادية نتيجة الإصابة بإعاقة تحول دون القدرة على أداء الأعمال الوظيفية. وكان الباحثون قد قاموا بإجراء تحليل لـ23 دراسة طبية أُجريت حول هذا الموضوع فيما بين عام 1992 وعام 2016، وذلك في 12 دولة في مناطق أميركا الشمالية وأوروبا وأستراليا والشرق الأوسط وآسيا. ولاحظ الباحثون أن في 63 في المائة من الحالات كان هناك مستوى متدن، وتحديدًا أقل من متوسط، في التوافق بين تقييم المتخصصين الطبيين حول مدى أهلية استحقاق الاستفادة من تعويضات الإعاقة عند مراجعة طلبات العاملين لذلك الأمر. والحالات التي تم فيها وجود مستويات أعلى في التوافق بين تقييم المتخصصين الطبيين هي التي كان أولئك المتخصصون الطبيون يرجعون إلى إرشادات ولوائح موحدة وواضحة العناصر لإجراء التقييم. وقال الباحثون إن هذه النتائج مقلقة وتشير إلى الحاجة المُلحّة للاستثمار في مجال دراسة تقييم الإعاقات لوضع معايير واضحة لها وتحسين قدرة المتخصصين الطبيين في القيام بهذه النوعية من الأعمال. وأضاف الباحثون قائلين: على الرغم من استخدامها الواسع، فإن التقييمات الطبية للإعاقات تُظهر وجود تباين شديد، ووضع معايير موحدة لتوجيه عمليات التقييم كفيل بأن يُحسّن من درجة موثوقيتها، وثمة ضرورة أيضًا لوضع آليات لتقييم مدى القدرة على أداء الأعمال الوظيفية. والواقع أن التعامل مع الإعاقات لدى المرضى يتطلب أولاً فهم معنى الإعاقة. ووفق ما تشير إليه المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC فإن الإعاقة هي «أي حالة تعتري الجسم أو العقل (نتيجة خلل وظيفي) تجعل من الصعب على المرء الذي يُعاني منها أن يقوم بأداء أنشطة معينة (الحدّ من النشاط) أو أن يتفاعل مع العالم المحيط به (الحدّ من المشاركة)». ولذا هناك إعاقات بصرية وحركية وتعليمية وتواصلية وسمعية وغيره. وتحدد منظمة الصحة العالمية أن الإعاقة لها ثلاثة أبعاد: بعد الخلل الوظيفي كبتر أحد الأطراف أو فقدان البصر، وبُعد الحدّ من النشاط كصعوبة الرؤية أو المشي، وبُعد الحدّ من المشاركة في ممارسة الأنشطة اليومية كالعمل والأنشطة الترفيهية والحاجة إلى تلقي رعاية صحية أو خدمات وقائية. وغالبية الأمراض المزمنة لها تأثيرات متفاوتة الشدة على حياة المرضى، والمطلوب بداية من الطبيب أن يهتم بدرجة تأثيرات المرض على جوانب شتى من حياة المريض، وليس الأمر مجرد إظهار الطبيب لمريضه مواساته وتعاطفه معه بل إن اهتمام الطبيب بمستوى تسبب المرض المزمن لأي درجة من الإعاقة والبحث الجاد في جوانب ذلك لدى المريض، هو جزء من التعامل العلاجي والمتابعة الطبية إذا ما كان المراد تقديم رعاية طبية متكاملة وبإتقان. وكانت مراكز CDC قد أصدرت في مايو (أيار) 2014 مذكرة «العلامات الحيوية» حول نوعية تعامل الأطباء مع إعاقات المرضى، وذكرت بعض الحقائق التي توضح تدني مستوى تعامل الأطباء مع تأثيرات الإعاقة التي قد يتسبب بها المرض على جوانب شتى من حياة المريض. ومنها على سبيل المثال اهتمام الطبيب بنصيحة المريض بممارسة النشاط البدني حتى لو أن لديه إعاقة حركية. وذكرت المراكز أن الأطباء نصحوا فقط 44 من البالغين الذين لديهم إعاقة حركية بأن يمارسوا النشاط البدني الذي ينشط الجسم وفق ما يستطيع القيام به، وذكرت بالمقابل أن أولئك الذين تمت نصيحتهم بذلك «سمعوا الكلام»، وكانوا أعلى في ممارسة النشاط البدني بنسبة 82 في المائة، مقارنة بمنْ لم يتم نصحهم به من قبل الطبيب، أي أن تلك النصيحة البسيطة من الطبيب كان لها تأثير عظيم لدى المرضى في اهتمامهم بأنفسهم.
مشاركة :