كي لا ينجح «حزب الله» حيث فشل في 2009 - مقالات

  • 2/4/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من الواضح ان الوضع الأمني في لبنان ممسوك الى حدّ كبير. يساعد في ذلك وجود رئيس للجمهورية، هو العماد ميشال عون يعمل، على طريقته، من اجل المحافظة على التوازنات الداخلية واستعادة العرب ثقتهم بلبنان. هناك، في موازاة ذلك، حكومة تمثل فئات واسعة من الطبقة السياسية برئاسة سعد الحريري الساعي يوميا الى إعادة الحياة الى مؤسسات الدولة من جهة وتحريك العجلة الاقتصادية من جهة أخرى. فضلا عن ذلك، هناك قسم من الحكومة يعي الخطر الايراني ويعمل على مواجهة هذا الخطر الذي في أساسه مشروع توسّعي مكشوف قائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية في كلّ دولة عربية واستخدام جزء من اللبنانيين في خدمة هذا المشروع. انّه مشروع يستهدف كلّ مجتمع من المجتمعات العربية. مؤسف ان هناك لبنانيين لم يستوعبوا ذلك في الماضي ولم يستوعبوه في الحاضر. يبدو الإمساك بالوضع الأمني، كما ظهر من خلال احباط العملية الانتحارية في مقهى «كوستا» في شارع الحمراء، عائدا ايضا الى التعاون بين الاجهزة الأمنية المختلفة. يتم ذلك في ظلّ وجود وزير للداخلية اسمه نهاد المشنوق يعتبر نفسه وزيرا لكلّ لبنان واللبنانيين. الاهمّ من ذلك كلّه، وربّما في أساسه، ان لا مصلحة لـ «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الايراني في ارباك الوضع اللبناني، اقلّه في هذه المرحلة. مثل هذا التصرّف، الذي ينمّ عن رغبة في إبقاء لبنان في مأمن عن الحريق السوري، يجب الا يغيّب الخطر الذي يمثلّه السلاح غير الشرعي الذي في يد ميليشيا مذهبية قرارها في طهران. لا يمكن الا ان تكون هناك نتائج في غاية السلبية على مستقبل البلد بسبب وجود سلاح غير شرعي ومناطق تحت سيطرة ميليشيا مذهبية قررت عدم الاعتراف بوجود حدود دولية للجمهورية اللبنانية من جهة والتدخل الى جانب النظام السوري في الحرب التي يشنّها على شعبه من جهة اخرى. هناك ما يشير الى وجود بقايا مؤسسات لدولة لبنانية. يمكن البناء على بقايا المؤسسات. لا يمنع ذلك التخوف من ان احداثا يمكن ان تحصل مستقبلا، لكن الثابت انّ على البلد اعداد نفسه للمرحلة المقبلة، مرحلة الانتخابات النيابية. هذه الانتخابات اللبنانية ستثبت ان لبنان قادر على استكمال عملية استعادة مؤسساته. تمثّل هذه الانتخابات التي يُفترض ان تحصل في مايو المقبل، في حال لم يكن هناك تأجيل ذو طابع تقني، منعطفا على الصعيد اللبناني. ستثبت الانتخابات ان هناك محاولة جدّية لاعادة بناء البلد في ظلّ ظروف إقليمية اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها معقّدة. من هذا المنطلق، يمكن ان تكون الانتخابات سيفا ذا حدّين. يمكن ان تساعد لبنان في تحصين نفسه ويمكن ان تساهم في تكريس لبنان مستعمرة إيرانية. وهذا ما ترفضه أكثرية لبنانية تعي تماما ماذا يعني ان يكون قانون الانتخابات على قياس «حزب الله» الطامح الى قلب المعادلة داخل مجلس النوّاب. يستند الحزب في ذلك الى انّه يعتبر نفسه قادرا على السيطرة بشكل شبه كامل على الطائفة الشيعية، فيما يستطيع تحييد المسيحيين الى حدّ ما... مع شق السنّة والدروز الى حدّ كبير وانتزاع مقاعد لموالين له ولما يمثّله من هاتين الطائفتين. بكلام أوضح، يعتقد «حزب الله» ان في استطاعته الغاء العلاقة العضوية بين «تيّار المستقبل» واهل السنّة، كما في استطاعته إيجاد طريقة لتقليص الحجم الدرزي لوليد جنبلاط لمصلحة بعض التافهين الذين يعتقدون انّ لديهم وجودا داخل هذه الطائفة. صحيح ان الطائفة الدرزية طائفة صغيرة. لكنّ الصحيح أيضا انّها طائفة مؤسسة في لبنان ليس هناك من يستطيع الغاءها لاسباب عدة. من بين هذه الأسباب الوجود الدرزي في لبنان من الناحية الجغرافية والتماسك داخل المجتمع الدرزي... والدور العربي التاريخي للدروز المنتشرين في لبنان وفلسطين وسورية وحتّى في الاردن، فضلا عن طبيعة الزعامة الدرزية التي يرمز اليها في هذه المرحلة جنبلاط. ليس طبيعيا ان يذهب لبنان الى قانون انتخابي يسمح لـ«حزب الله» بتحقيق ما عجز عنه في انتخابات العام 2009. وقتذاك، لعب الحريري دورا محوريا في التصدي للتوجّه الايراني ومنع الحزب من السيطرة على لبنان، عن طريق صناديق الاقتراع. ربح رهانه رغم انّ كثيرين كانوا يعتقدون انّه لن يتمكن من ذلك وان لبنان ورقة خاسرة. ليس ما يدعو الى العودة الى ما قدّمه الحريري في تلك المرحلة والى تضحياته، على كلّ صعيد، من اجل تحقيق انتصار في الانتخابات. وضع الرجل عائقا يستهدف منع الحزب الايراني من السيطرة على الجمهورية اللبنانية عبر أكثرية تابعة له في مجلس النوّاب. ليس سرّا ان الانتصار الذي تحقّق في 2009 لم تكن له ترجمة على الأرض بعدما رفع «حزب اللّه» سلاحه ومنع مجلس النواب من الانعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو من العام 2014. قبل ذلك، في العامين 2010 و2011، لم تكن من ترجمة لهذا الانتصار، وهو انتصار للشعب اللبناني اوّلا، عندما اسقطت ميليشيا «حزب الله»، بقمصانها السود، حكومة الحريري بسحب «الوزير الملك» منها تمهيدا لتشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي. لم يكن من هدف لهذه الحكومة سوى اذلال المسيحيين والسنّة والدروز في لبنان. ما الذي سيحصل الآن؟ قانون الستين مرفوض. هل يبني «حزب اللّه» على هذا الرفض من اجل تحقيق ما عجز عن تحقيقه في 2009؟ ثمّة واقع، لم يعد في الإمكان تجاهله، خصوصا في ظلّ تورط «حزب اللّه» في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هذا الواقع يفرض على لبنان متابعة المقاومة. المقاومة الحقيقية هي مقاومة الهيمنة الايرانية التي يسعى الحزب الى فرضها على لبنان. هل من قانون انتخابي عادل يأخذ في الاعتبار حقوق كلّ اللبنانيين ومصالحهم تجري على أساسه الانتخابات المقبلة؟ الجواب ان في الإمكان التوصّل الى مثل هذا القانون، اقلّه من اجل تفادي السقوط في الفخّ الذي تنصبه ايران للبنان. في الإمكان الانطلاق من قانون الستين، مع بعض التعديلات له، من اجل التوصل الى صيغة ترضي الجميع. صيغة تكون بعيدة عن قانون النسبية الكاملة الذي يطالب «حزب الله» به لتحقيق غايات معيّنة. ايّ قانون عادل سيخدم المحافظة على السلم الأهلي في وقت يحتاج لبنان الى كثير من الهدوء في سعيه لاعادة بناء مؤسساته وابقاء الامن مضبوطا داخليا ولتمرير مرحلة التغييرات الكبيرة التي تبدو سورية مقبلة عليها...

مشاركة :