برامج صباحية تبيع «الوهم» لسيدات البيوت «المحبطات»

  • 2/7/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا جديد في «يوم جديد»، البرنامج اليومي على محطة «أو تي في». الفقرات المنوعة تكاد تتطابق مع ما تقدمه البرامج «الشقيقة» على معظم الفضائيات التي تبدأ بثها بمنوعات صباحية خفيفة موجهة غالباً الى ربّات البيوت. وعبارة «لا جديد» ليس المقصود بها شراً، بهذا البرنامج أو سواه. فالفقرات تمضي بتلقائية عجيبة، محسوبة بالدقائق والثواني، وهي تملأ فراغاً لا بد من إغراقه بالمعلومات الطبية والغذائية والفنية حتى يتسنى لربات البيوت إكمال واجباتهن المنزلية. في فيلم «جينجر وفريد» لمخرجه الإيطالي الراحل فيديريكو فلليني، يجري أحدهم تجربة على ربة منزل تقوم بأعباء البيت وهي تتابع برامج مماثلة عبر جهاز التلفزيون، وتقوم أحياناً بمحاولات اتصال فاشلة بمقدم هذا البرنامج أو ذاك. ثم يعرض عليها الباحثون مبلغاً مغرياً من المال، مقابل إخلاء البيت من التلفزيون لمدة شهر لعلها تتوقف عن مشاهدة البرامج وهي تنجز أعمالها، علماً أن المتابعة قد لا تكون دائماً دقيقة، إذ يمكن أن تسترق السيدة نظرةً إلى الشاشة الصغيرة وهي «تنقع» الأرز، أو تقطع اللحم، وقد تكتفي بالأصوات المنبعثة منه في حال كانت مهمة إعداد الطعام أكثر تعقيداً، كإعداد ديك رومي مثلاً. هكذا تعيش ربة المنزل أيام الانقطاع عن مشاهدة التلفزيون بصعوبة، وتبدأ بالتململ والشعور بفراغ أكبر من ذي قبل، وتكتشف أن هذا الجهاز كان رؤوفاً بها، وهي تسرق لحظات مشوشة منه، تتداخل بعضها ببعض، حين لا يمكن تعريفها بدقة، وتعرف في اليوم العشرين من التجربة المضنية أن سر سعادتها تكمن في «أسطورة» الريموت كونترول، وعمليات «المواثبة» بين المحطات المختلفة. تنهار ربة المنزل في اليوم الحادي والعشرين باكية وتطلب فسخ العقد وإعادة المال الى أصحابه، مقابل استرجاع جهاز التلفزيون. لقد اكتشفت ببساطة أن حياتها اليومية الروتينية معلقة به أكثر من أي شيء آخر. حتى محاولاتها الفاشلة في تقديم نفسها عبر أسئلة عادية جداً لهذا البرنامج أو ذاك تبدو بمثابة «مخلص» عاطفي لها من مطبات الحياة الصعبة، وهي قد لا ترجو أجوبة على شيء، إنما تكتفي بتفضيل صباحاتها على كل ما يمكن أن يبدو نافراً في حياتها. في برنامج «يوم جديد» تبدو لافتة استضافة عالم الأبراج الفلكي مايك فغالي صبيحة كل يوم جمعة. في الأسبوع الماضي ظهر مدافعاً بشراسة عن لقب «الدكتور» الذي صار يسبق التعريف به، بعدما استفزته مقدمة البرنامج بسؤاله عن الدكتوراه، متكئة على ما يبدو على غمز ولمز من هنا وهناك يجيئها عبر الأثير. لم يرف جفن لـ «الدكتور» الذي لا تفارقه سكينه الطويلة وعصاه وذيل الحصان في أسفل رأسه، وقال حرفياً إنه «دكتور شاء من شاء وأبى من أبى». تجاهلت المقدمة عناد الفلكي وواصلت تلقي الاتصالات الهاتفية من ربات البيوت «المحبطات» وهن يسألن عن شراء بيت للابن الصغير، أو عن عمل للزوج المسكين المهدد بالطرد في نهاية نيسان (أبريل). «الدكتور» يعرف جيداً في أجوبته الهادئة أن الأسئلة التي ترده لا يرجو صاحبها أو صاحبتها إلا إجابات كتلك التي يجيب بها، مع غرق في دموع النشوة، أو في دموع تقطيع البصل. لا فارق هنا. لا فارق. فكل يوم في حياة من يسأل، هو يوم جديد.

مشاركة :