عرف الوسط الأدبي الكاتب المصري حسن عبد الموجود محرراً في جريدة «أخبار الأدب» القاهرية، ثم قاصاً عندما صدرت في العام 2002 مجموعته القصصية الأولى «ساق وحيدة». في العام 2003 صدرت روايته الأولى «عين القط» وفازت بجائزة ساويرس. وفي العام 2011 صدرت روايته الثانية «ناصية باتا»، ثم صدرت مجموعته القصصية الأحدث «السهو والخطأ» في العام 2016. تبدو «السهو والخطأ» وكأنها متتالية قصصية، إذ تسيطر على أبطالها روح انعزالية، وشعور بالوحدة، وحياة على أطراف المدينة. تدور غالبية الحوادث في مدن صحراوية جديدة بما يليق بأشخاص انعزاليين لم يهتدوا بعد إلى الطريقة المثلى للتعاطي مع عالم لا يحفل بهم كثيراً. يقول حسن عبدالموجود: «أردت أن أقدم عالماً واحداً في القصص، وهو ما يتماشى مع قراءتك التي تبدو منطقية. اعتمدت على نظرية تشارلز ديكنز التي تقوم على سحر الواقع، فلا تعلم وأنت تقرأ إن كان الأمر حقيقياً أو غرائبياً. هذا ما هدفت إليه، وأظن أن قارئ المجموعة سيشعر بأنه على الأرض، فيما تدور الحوادث حول شخصيات غريبة الأطوار، قد تبدو موجودة في دنيا أخرى من الخيال». البطل في قصة «السكر في فراغات الشاي» يرى فريقه يفوز في إحدى المباريات، وفي اليوم التالي تخبره الجرائد بهزيمة فريقه. يبدو مشغولاً بجارٍ، لا تعلم إن كان موجوداً أم هو انعكاس للشخصية. يفسر حسن: «أردت أن أضع في خلفيات القصص كلها أن ثمة ما هو واقعي وسط عالم غريب. حالة من القطيعة بين الفرد ومن يتعاملون معه كانت هدفي من هذه القصة، بشكل واضح، وهل الخطأ من جهته، لأنه غير قادر على التعامل مع المجتمع وناسه، أم المجتمع هو الذي يقف عاجزاً عن استيعاب مثل هذا الشخص وأمثاله؟ هذا هو السؤال». يقوم عبدالموجود باقتياد بطل قصته «تمرين على رفع اليد» إلى مطعم يرفع لافتة مكتوباً عليها: «إشعارك بالتواصل عن طريق إغراقك في الوحدة»؛ هكذا تحوم الوحدة حول روح القصص كلها، وجاءت هذه الجملة تحديداً وكأنها تلخيص لحال وحالة المجموعة: «أنا مشغول بأزمة الإنسان المعاصر التي تتمثل في شعور لا محدود بالوحدة. أنا هنا لا أناقش قضايا كبرى، لكن أهتم بتفاصيل تؤرق إنسان اليوم. كل ما جذبني في الأدب العالمي كان من النوع نفسه. مثلاً في رواية «الغريب» لألبير كامو؛ يتحالف الجميع ضد البطل، الذي كان يعيش داخل رأسه ولا يبالي بما يحدث، حوله، له، أو معه. هي قضية إنسانية وهذا ما يجذبني عادة لأقرأ أو أكتب عنه». الوحدة، كحال، تسيطر على حسن عبدالموجود، كشخص. منذ مجموعته الأولى «ساق وحيدة» التي يكفي عنوانها لإخبارنا بوحدة طاغية طافت حول أعماله الأدبية عموماً. سألته: هل أنت شخص وحيد بطبيعتك؟ يجيب: «لو استطعت أن أختفي، سأفعل»؛ ثم يتابع: «مضطر للتعامل مع الآخرين بحكم عملي وحياتي الاجتماعية، ولكن لو أتيحت لي فرصة لأعيش بمال يكفيني وأسرتي بالقدر المعقول، لن أكون موجوداً. أنا وحيد عندما أفرح وكذلك في وقت الحزن، لا أحاول مشاركة الآخرين. أنا أعزب ووحيد تماماً في هذا العالم». يعتبر عبدالموجود أن هذه المجموعة نقلة في مشواره الأدبي؛ «أصبحت واعياً بما يكفي لأعلم مثلاً أن حديثي عن القرية لا يجب أن يجترني لأتحدث بلغتها. الآن عرفت أن الرواية بنت المدينة، وإذا أردت للحوادث أن تدور في قرية ما، فلا ضرورة للتحدث بلغتها. تعلمت الآن أن واجبي ليس أن أكتب رواية عظيمة كعمل أول، ولكن الخبرات تتراكم مع الوقت، حتى تأتي اللحظة التي نستعيدها كاملة، لصياغتها بطريقة ما كنا نستطيعها في أوقات ماضية». مجموعة من البدناء الكسالى يرفضون الاستجابة لدعوة من أجل الحياة كنباتيين، وينتهي بهم الحال إلى أن يأكل بعضهم بعضاً. لا غرابة هنا بالنسبة لي، ولكن الغريب يكمن في أن هؤلاء الأشخاص في قصة «جماعة النباتيين المتطرفة» يحملون أرقاماً، لا أسماء! هل ينظر حسن عبدالموجود إلى البشر، باعتبار أن أحدهم لا يختلف عن الآخرين؟ يجيب: «في المجتمعات الشمولية ثمة محاولات متكررة ومستميتة لإزالة الفوارق بين الطبقات، من طريق صبغهم بلون واحد، فيتحولون إلى نسخ متكررة ومتشابهة من بعضهم، ولا مجال للاختلاف هنا أو التميز. هذا جزء من أزمة الفرد الذي يفقد، مع الوقت، ما يميزه عن الآخرين. هذا هو عين ما أردتُ». تتحدث قصة «السهو والخطأ» عن رجل يمتلك نسختين من امرأة، زوجته وأختها التوأم، تتناوبان إرهاقه نفسياً بوسائل متنوعة. اختارها حسن تحديداً لتكون عنواناً لمجموعته؛ باعتبارها؛ «قصة واقعية بحتة. تتحدث عن ما أريد قوله عبر المجموعة. حوادث واقعية بحتة، لكنها تحمل في طياتها المزيد من الغرائبية، الأشياء غير المعقولة، العصية على التصديق. هذه القصة كانت، في نظري، أفضل تعبير عن المجموعة كلها، وفيها ما تريد المجموعة أن تقول». يظهر كافكا، في شكل أو آخر، في عوالم حسن عبدالموجود الذي يعتبره «أحد أفراد عائلتي»؛ ولكنه يختلف عن حسن في استخدامه للكابوسية الصريحة. على كلٍ، فالكابوسية تطل بوجهها، هنا، من دون ارتداء قناع. يرى حسن أن «الكابوس هو الأقرب إلى عالم الوحيدين. أنا وحيد لكني راضٍ، أما أبطالي فليسوا راضين ولا فاهمين حالتهم. هم يحاولون فهم إذا كان العالم الخارجي هو الواقع أم إنه محض خيال؟ والعكس صحيح. هذه الكابوسية آتية من شخص معذب لا يستطيع أن يصل إلى حقيقته». لا يستطيع عبدالموجود أن يكتب من دون أن يغلف كتابته بالسخرية. هي ملمح عام في كتاباته. هذه السخرية يفرضها حسن على ما يكتب حتى وإن وصل الأمر إلى أن يسخر من نفسه؛ وهو ما لاحظه كثيرون بخاصة في البورتريهات التي يكتبها عن أصدقائه. يقول: «الكتابة من دون سخرية تفقد الكثير من متعتها. من دونها يصبح العمل صلباً، غير مستساغ، بخلاف السخرية المحسوبة». في روايته الثانية «ناصية باتا» يقدم عبدالموجود مؤسسة عقابية تدوس الفردية بحذائها، وتسعى في طريق ينتهي بأفراد من نسخة واحدة، لا يمارسون الحرية إلا داخل إطار مُعد سلفاً، وذلك من طريق «مؤسسة 1 أغسطس». الأمر يبدو سياسياً؛ ولكن عبدالموجود يرى غير ذلك؛ «أكره السياسة، وكذلك الأعمال الأدبية التي تأخذ السياسة إطاراً لها بالدرجة التي تفقد النص أدبيته. كتب جمال الغيطاني «الزيني بركات»؛ لكنه قدم نموذجاً قابلاً للحياة في عصور مختلفة من خلال وجهة نظر شاملة. الأدب في رأيي هو ابن العالم. في «ناصية باتا» تحدثت عن النظرة الشمولية ومحاولات طمس الفرد وهويته، لم يكن هدفي أن أطرح رؤية سياسية، بل نصاً أدبياً يمكن تأويله على وجوه عدة». خلال 14 سنة، أنتج عبدالموجود أربعة كتب: هي مجموعتان قصصيتان وروايتان. الإقرار بموهبته موجود، والخبرات المتراكمة متاحة، فلماذا لا يأخذ الكتابة في شكل أكثر جدية؟ يجيب: «أثر عملي بالصحافة فيّ في شكل كبير، وأنا منظم جداً في ما يخصه، لكن على مستوى الكتابة، أنا لست كذلك على الإطلاق. لا أمتلك الصبر الكافي وتدفعني دفعاً صعوبات الحياة والالتزامات المادية تجاه أسرتي، فأجد نفسي مقصراً تجاه عملي الأدبي. الصحافة أفادتني في ما يخص تطور اللغة، ولكنها تنسف رأسك، فتؤثر فيك سلباً كمبدع. هذا عني، ولكن هناك مَن لا ينطبق عليهم ذلك». هل تريد أن تتفرغ للكتابة؟ «أتمنى. ما حدث لي من ترقيات على المستوى المهني راجع إلى اجتهادي في عملي... أما على المستوى الأدبي فلديَّ طموح كبير للغاية، ولم أفعل شيئاً بعد». يكتب حسن عبدالموجود المقالات الرياضية، وهو المحرر الأدبي، ما يثير دهشتي؛ «أنا مهووس بالرياضة. أحاول ربط الرياضة بالأدب، لا أن أكتب تحليلاً رياضياً. أكتب مثلاً عن علاقة نجم كرة القدم ميسي بمجتمعه، بالسياسة، والأخلاق أيضاً. أستخدم كذلك لغة جديدة. في النهاية لا أطرح نفسي كمحلل رياضي، ولكني محب للرياضة والفن، الذي أكتب عنه هو الآخر، محاولاً أن أضعهما داخل سياق الأدب». يكتب حسن عبدالموجود القصة القصيرة في وقت يشهد حضوراً طاغياً للرواية، وعن هذا يقول: «الكتاب أنفسهم ابتعدوا في شكل ما عن القصة، فأصبح نادراً أن تجلس مع كاتب ليحدثك عن مشروع للقصة القصيرة، ولكن الرواية هي الحاضرة على الدوام. هذا ليس تعميماً لأن هناك البعض ممن يؤمنون بضرورة القصة القصيرة وعظمتها. هذا بالإضافة إلى اهتمام جهات الترجمة بالنص الروائي، ما يدفع الكاتب، في شكل طبيعي، باتجاه الرواية». يتابع: «للجوائز عامل كبير، فهي ضخمة من حيث القيمة المادية، كما يساهم بعضها بترجمة العمل الفائز، ربما إلى لغات عدة وليس لغة واحدة، وهو ما يفيد الكاتب مادياً وأدبياً، ويزيد حجم قرائه، في أنحاء مختلفة من العالم. أخيراً ظهرت جائزة ملتقى القصة القصيرة بالكويت وهي جيدة، كما جعلت الأمر متوازناً إلى حد ما. القصة لن تختفي، لكن الاهتمام بالرواية هو ما يجعلها تتوارى قليلاً. تتوارى ولا تموت» يعترف عبدالموجود بتسرعه في نشر روايتيه؛ «عين القط»، و «ناصية باتا»، «عندما قرأ الشاعر الراحل أسامة الدناصوري روايتي الأولى، قال لي أنني كمن اكتشف كنزاً ومن شدة فرحه تخلص منه بسرعة، وكذلك أخبرني صنع الله إبراهيم بأنني كنت قادراً على خلق رواية فارقة واحترافية إن صبرت عليها بعض الوقت. الاثنان محقان في ما ذهبا إليه، لأني كنت أمارس الأمر ببعض الاستسهال، ولكن أظن أنني في تلك الفترة لم أكن قادراً على أن آتي بما هو أفضل. على عكس مما يمكن أن أفعله الآن». ويستعد عبدالموجود حالياً لإصدار «كتاب البورتريهات» الذي صدر عن دار «الكتب خان» التي أصدرت مجموعته القصصية الأخيرة، علماً أن أعماله السابقة صدرت عن دار «ميريت»، وهو يأمل بإعادة نشرها بعد نفاد نسخها. يضم الكتاب عدداً من البورتريهات لشخصيات، كان الدافع لكتابتها بالأساس، حب حسن عبدالموجود لها، وإيمانه بموهبة أصحابها ككتاب جيدين، فضلاً عن صداقة تربطه بهم؛ «استفدت كثيراً منهم. عندما تتحدث مع شخص واعٍ وتناقشه في رؤيته للفن والحياة والأدب والحب، ستخرج منه بمعلومات جديدة ومهمة عن شخصيته وحياته عموماً. هناك تساؤلات لم أكن قادراً على الإجابة عنها، وأشياء لم أستطع وصفها. عبر هؤلاء استطعت وفهمت، ولذلك فإنني أشكرهم». ويضيف: «أعمل الآن كذلك على فكرة كتاب عن الفنان عادل السيوي وأخطط لـ25 مقابلة معه. هو فنان ومفكر كبير، لديه تصورات عظيمة عن الحياة، الفن، الكتابة، ويمثل قيمة تستحق أن تتعرف إليها أجيال قادمة».
مشاركة :