كنتُ أتصور مدن كندا بشكل أفضل مما رأيت. خبرني عنها؛ لعلني أكتشف سر قوتها؟ كان هذا سؤال صديقي القادم الجديد. أجبته: الكنديون لا يتحدثون عن بلدهم بامتلاكهم أعلى ناطحات السحاب، وبأن العيشة لديهم ميسرة كشرب الماء؛ لذا أنصحك بالتأمل في مقارنات تتجاوز البناء والأسمنت. كندا تفاخر بقيمها ووجهها الإنساني، بالتنوع وقبول الآخر، والعناية بالطبقات الفقيرة والمتوسطة. سكانها الذين وُلدوا خارجها يقاربون النصف. يعمل فيها المسلم بجانب اليهودي بجانب البوذي بجانب المسيحي دون تمييز، يربطهم وطن واحد. يعيش بها ذوو أصول آسيوية وعربية وهندية وأوروبية وأمريكية جنبًا إلى جنب دون تفرقة. تعكس تشكيلة حكومتها واقعها؛ نصف حكومتها نساء، وتحوي وزراء (مسلم وبوذي ويهودي وصاحب إعاقة وشاذ جنسي.. إلخ بانوراما التنوع فيها). هذه كندا التي أحدثك عنها. كندا تحتفل بعيد اتحادها رقم 150، وبعض جامعات مناطقها يقترب عمرها من مائتي عام. الحوار الحضاري وتجاوز آلام الصراعات قادا إلى الاتحاد لتشكيل بلد مساحته ثاني أكبر بلدان العالم مساحة. غاباته تعادل مساحة فرنسا، ومصادره الطبيعية - بما فيها البترول - تعتبر الثالثة على مستوى العالم، ورغم ذلك لا يهدر ثرواته الطبيعية ويستهلكها. البيئة لديه تعني الغرس للأجيال القادمة، حتى الجيل السابع حسب عقيدة سكانها الأصليين. صديقي ينتقدها بالحديث عن معاناة سكانها الأصليين، وأحيله إلى اعتراف رئيس وزرائها بأن كل دولة لديها نقاط سلبية في تاريخها، وربما كانت تلك أبرز نقاط كندا غير المضيئة. هذا الموضوع مثار جدل ونقد لسياسات كندا، لكنه حتمًا لا يخل بقيمها المشار إلى بعضها أعلاه. تلك القيم تنعكس ميدانيًّا في القوانين والأنظمة والخدمات؛ فمبدأ مجانية التعليم والصحة والخدمات الأساسية والاهتمام بذوي الدخل المنخفض والمتوسط لا تحيد عنه الحكومات الكندية، ومقاطعاتها المختلفة، حتى ولو ارتفعت الديون. الخطوط التنموية حمراء لا تمس (الخدمات الاجتماعية، الصحية، التعليمية والبيئية..). كندا تبدو مسالمة وادعة، لكنها تبدي شجاعتها عندما يتعلق الأمر بقيمها التي تراهن عليها، كما حدث في وقوفها ضد حرب جارتها أمريكا في فيتنام، أو حينما طالبت مقاطعة كويبك بالانفصال، وتم مواجهة الموقف بشكل حضاري عبر صندوق الاستفتاء، الذي رفض الانفصال وعزز قوة الاتحاد. هي قيمها تحاول صيانتها في الخارج والداخل، وعلى ضوئها يقدرها العالم، حتى أن الأمريكي يحمل حقيبة فيها علم كندا عندما يتجول في أوروبا؛ لأنهم يقدرون كندا أكثر من غيرها من البلاد. كندا رغم كِبَر مساحتها وجمال طبيعتها تكسو الثلوج أغلبها لأشهر عديدة؛ لذلك مناخها يصدم القادم من أجواء مغايرة كأجوائنا. عدد سكانها 35 مليون نسمة، تفرض ضرائب يتذمر منها الناس، لكنهم يقدرونها عندما يجدون مقابلها الخدمات المدنية والبلدية والاجتماعية والأمنية. أهنئ كندا باحتفالاتها، وأحيي قبولها الآخر وعنايتها بطبقاتها الاجتماعية الأوفر حظًّا، وتميزها في الأمن والأمان والعدالة الاجتماعية. هي دولة صديقة لبلادنا، وأدعو لمشاركتها فرحتها وبهجتها بأعيادها.
مشاركة :