علينا في بداية هذا المقال أن نعترف بحقيقة مؤلمة، وهي أن ضعف مناهج التاريخ في مدارسنا السعودية قد أسهم في خلق جيل غير قادر في معظمه على استنباط الدروس والعبر من الحقائق التاريخية الثابتة، التي ما لبثت تكرر نفسها بأشكال وصور مختلفة. وفي ضوء ذلك الغياب فضلا عن قلة الأزمات التي مرت بها منطقة الخليج، نجد أن نخبة قليلة فقط هي التي استطاعت كسر جمود هذا الواقع والعمل على تثقيف نفسها تاريخياً عبر قراءات شخصية أسهمت في فتح أفقها نحو فهم أكثر شمولا لتلك الدروس والعبر. ما نشهده حاليا في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من هرج ومرج حول سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديدة في الخليج، والمخالفة لسياسة سلفه أوباما الذي سلم دفة المنطقة لإيران واختار تنصيبها شرطياً على المنطقة لهو أمر يثير الضحك فعلاً. هل هذا ما تعلمناه من دروس التاريخ الحديث على الأقل؟ هذا التاريخ الذي عايشناه معا منذ الحرب العراقية الإيرانية، مرورا بالغزو الصدامي للكويت، وصولا إلى احتلال العراق وتسليمه لقمة سائغة لإيران، فضلا عن ظهور التنظيمات المخابراتية من القاعدة وداعش، ومحاولة خلط الحابل بالنابل في ثورات الربيع العربي.. إلخ. هل مجرد تصريح أطلقه ترامب وردده بعض مسؤوليه ضد إيران حاليا سيجعلنا نعيد وضع كل البيض مجددا في السلة الأمريكية؟ ألم نبصر بعد أن تلك السلة مثقوبة؟ وأننا مهما وضعنا فيها من البيض فسنبقى في عين أسياد البيت الأبيض تلك الدجاجة التي تبيض ذهبا؟ لست من مؤيدي المحور الروسي، رغم أنني أجد على الأقل أن موسكو أكثر وفاء لحلفائها، وأن صدى تصريحات ترامب قد وصل إلى الكرملين، وجاءه الرد بأسرع مما كان يتوقع. بصراحة لا أشك للحظة في ذكاء الرئيس الأمريكي الجديد، ومعرفته التامة من أين تؤكل الكتف، ترامب رجل أعمال يدير بلاده بالفعل كما يدير شركاته، ويعرف جيدا أهمية مواقفه السياسية وكيف يحصل على ثمنها في التوقيت المناسب، لكن عتبي ليس عليه؛ فهو رجل يبحث عن مصالح بلاده، بل عتبي الوحيد على مَن مازال يرسب في سنة أولى تاريخ.
مشاركة :