الرياض: فتح الرحمن يوسف توقع خبراء مصرفيون واقتصاديون تجاوز حجم أصول المصرفية الإسلامية أربعة تريليونات دولار في عام 2020، بسبب التسابق العالمي المحموم من قبل الدول الغربية نحو الفوز بأكبر حصة من الأموال والتمويلات الإسلامية. يأتي ذلك في ظل تقديرات تشير إلى تصاعد عدد البنوك والمؤسسات الإسلامية، إلى أكثر من 400 بنك ومؤسسة إسلامية، تدير 1.9 تريليون دولار وفق أحكام الشريعة في أكثر من 86 دولة في العالم. ونوهوا في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن الضغوط الاقتصادية الدولية بعدد من بلاد العالم في الغرب حاليا، فرضت عليها ضرورة الاستعانة بالمصرفية الإسلامية في مفاصل اقتصاداتها المصرفية وجذب أكبر قدر من التمويلات الإسلامية. من ناحيته، أوضح الخبير المصرفي الدكتور عبد الباري مشعل المدير العام للشركة البريطانية «رقابة»، أن الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت معظم أنحاء العالم، وأزمة الديون السيادية في دول منطقة اليورو، عرّت سوءة النظام الرأسمالي التقليدي، وكشفت بالمقابل أسباب نجاح المصرفية الإسلامية وسرعة نموها بـ15 في المائة في العام الحالي. وأكد مشعل أن التشريعات في بعض البلاد الغربية بما فيها الأوروبية، لا تمانع قيام مصارف ومؤسسات مالية إسلامية، مبينا أنها تسعى حاليا جاهدة لأن تحظى بأكبر حصة من كعكة التمويلات الإسلامية، مشيرا إلى أن العوائق التي تعاني منها نفسية واجتماعية أكثر منها قانونية. ولفت إلى أن عددا مقدرا من البلاد المتقدمة تسعى لأن تكون مركزا لصناعة المصرفية الإسلامية، في إشارة لبريطانيا، مبينا أنها تحاول أن تحتل الموقع الرائد في هذا الإطار، مشيرا إلى أن لندن الآن تستقبل كل يوم أموالا ومصارف إسلامية بأحجام كبيرة. وفي الوقت نفسه، تتعاطى فرنسا، وفق مشعل، مع أدوات الصناعة المصرفية الإسلامية والصناديق وإلى ما إلى ذلك من الأدوات المالية، في نشاطاتها الكبرى غير الموجهة لعموم الجمهور داخل فرنسا. ولفت إلى أنها تتولى تأمين محافظ استثمارية إسلامية في فروعها الرئيسة بالخارج كما هي الحال في البحرين، مشيرا إلى أن بعض البنوك الفرنسية تحاول مجاراة بنك «بي إن بي باريسباس» الذي افتتح عددا من الفروع في بعض البلاد الخليجية. وأضاف أن هيئة الرقابة المالية الفرنسية سمحت لأول صندوق استثماري إسلامي بالعمل مؤخرا داخل السوق الفرنسية، في مجال القطاع العقاري، على طريقة المرابحة الشرعية، مشيرا إلى أنه تم إطلاق بنك التسليف الزراعي منذ عام 1993 بوصفه أول صندوق إسلامي بالخارج. وفي الإطار نفسه، عزا الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، رئيس «مركز الشروق للدراسات الاقتصادية» في جازان بالسعودية، انتشار تجربة المصرفية الإسلامية على نطاق واسع، إلى تميزها بالمشاركة في تحمل المخاطر، وتصرف الإسلامي بصفته تاجرا لا وسيطا بين المدخرين والمستثمرين، دون الحصول على فائدة غير شرعية. وقدر عدد البنوك والمؤسسات الإسلامية، بما يزيد على 400 بنك ومؤسسة إسلامية، تدير 1.9 تريليون دولار وفق أحكام الشريعة في أكثر من 86 دولة في العالم، «مما لفت أنظار البلاد الغربية إلى قدرتها على النمو بشكل متسارع، الأمر الذي فتح شهيتها ومحاولة الفوز بأكبر حصة من تمويلاتها في مختلف مشاريعها». وأكد باعشن أنه وسط الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون السيادية في دول منطقة اليورو، وفي ظل حالات الإفلاس التي انتظمت الكثير من البنوك الغربية، أصبحت هناك رغبة جامحة لمحاولة الانقضاض على أموال بعض البلاد الإسلامية من خلال مصارفها ومؤسساتها المالية التي تتعامل وفق الشريعة الإسلامية، لما لها من أرصدة متصاعدة النمو بفضل نظامها الإسلامي. وأضاف أن الشاهد يلحظ توسعات لبعض البنوك الغربية في الدول الخليجية وغيرها من البلاد التي تتمتع بوضع مالي مستقر وغير متأثر بأزمة المال والأعمال، بهدف الفوز بأكبر حصة ممكنة من رؤوس الأموال والتمويلات الإسلامية، سواء عن طريق سياسة الاندماجات أو الشراكات في مختلف مجالات العمل. ولفت باعشن إلى أن هذه المصارف استفادت من خبراتها الواسعة في مجال العمل المصرفي المهني، في تطوير آليات عمل أكثر ملاءمة مع أحكام الشريعة الإسلامية، الأمر الذي مكنها من طرح منتجات مصرفية ومالية في أسواق المال تلفت أنظار أصحاب رؤوس الأموال المسلمين وترغبهم في توقيع عدد من الاتفاقات معها بشكل أو بآخر. أما الباحث المصرفي الصادق إدريس، فقد أكد أن أهم دول مجموعة العشرين، خاصة الدول الغربية منها، تسعى جاهدة لخلق بيئة ليست فقط جاذبة للأموال الإسلامية، «بل إنها تفكر جديا في أن تعد نفسها لأن تكون مراكز لصناعة المصرفية الإسلامية في العالم»، مؤكدا أن العديد منها تتسابق مصارفها ومؤسساتها الإسلامية للاستعانة بشركاء من نظيراتها في الدول الإسلامية. وأضاف أن بعض البلاد الغربية، تفكر حاليا في إدخال تشريعات إسلامية في اقتصاداتها وإدارة أموالها ومصارفها المركزية، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا، فضلا عن بريطانيا التي، برأيه، قطعت شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، وأصبحت قدوة تنافسها بعض البلاد المحيطة بها لتحذو حذوها وتنال أكبر حصة في الأموال والتمويلات الإسلامية. واستند إدريس في ذلك إلى بعض التقارير والدراسات المتخصصة، التي أكدت أن المصرفية الإسلامية وسوق الصكوك الإسلامية، تشهد نموا كبيرا وسريعا خلال السنوات القليلة الأخيرة، خاصة بعد دعم ومساهمة جهات حكومية. الأمر الذي فتح أبوابا واسعة لانتشار هذه الأدوات المالية المبتكرة، مما أشعل رغبة جامحة لدى المؤسسات المالية والمصرفية الغربية للاستفادة من الأدوات الاستثمارية الإسلامية التي برأيها أثبتت نجاحها وجدواها. وكانت دراسة أشارت إلى أنه على الرغم من المشكلات التي واجهت الاقتصاد العالمي بسبب الأزمة المالية، فإن سوق الصكوك الإسلامية واصلت النمو، فبلغت عام 2009م ما قيمته 23.3 مليار دولار مقابل 14.9 مليار دولار في 2008. وتوقعت أن تشهد سوق الصكوك الإسلامية في دول العالم نموا متصاعدا بمعدل يتجاوز 15 في المائة، خلال السنوات القليلة المقبلة، خاصة مع توجهات الدول لإصدار تشريعات تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بإصدارها، مؤكدة أن سوق الصكوك أصبحت أكثر الأسواق جاذبية، لما لها من وسائل جذب ناجحة للمدخرات، وتمويلات مشروعات التنمية، والبنى التحتية ذات الجدوى الاقتصادية العالية.
مشاركة :