حب إلكتروني، تسوق إلكتروني، تعلم عن بعد (إلكتروني) تواصل إلكتروني، رسائل إلكترونية، تهنئة وعزاء إلكتروني، فوتوشوب إلكتروني، فلتر إلكتروني (لتجميل الصورة)، معظم الأشياء في حياتنا تحولت إلى أشياء خيالية فضائية إلكترونية، حتى الشائعات ودعشنة العقول إلكترونياً، وبرامج الحكي والسوالف، صرنا سجناء العالم الافتراضي، وانقطعنا عن عالمنا الحقيقي، بتنا أسرى لفضاءات وهمية كانت لتحملنا إلى عوالم مفتوحة وثقافات متعددة لكننا فرضنا حولنا أسواراً شاهقة وأغلالاً لا تُرى تُلْقِينا في سجون انفرادية بعيداً عن محيطنا. أصبحت رسائل الواتس أب ومجموعاته مسرحاً للأخبار والرسائل التي يستلمها الآلاف ويعيدون نشرها دون التأكد من صحتها وحقيقتها. والسناب شات أصبح نافذة لمشاهير صنعوا نجوميتهم من واقعنا المأساوي، لأننا شجعناهم على احتلال وقتنا ومتابعتنا بل جعلناهم أبطالاً وقدوات. فتحنا القنوات الإنترنتية على غرف نومنا وموائد طعامنا وأفراد عائلتنا وهمساتنا وأسرارنا وساعات يومنا بدءاً من اللحظة الأولى التي نستفيق فيها حتى نطفئ الضوء. كنت في أحد المؤتمرات وحدثت حادثة طريفة مع أحد الزملاء المشاركين الذي أمضى الكثير من الوقت يقنع زوجته التي أغلظ لها الأيمان أنه موجود في المؤتمر ولم يغادر إلى القاهرة، فأشار عليه زميل آخر أن يحمّل تطبيق السناب على جواله ويرسل لها صورة مع اسم المنطقة المتواجد فيها حيث يقدم السناب شات هذه الخدمة، وفعل الرجل وأظنه نجا. نحن أجرمنا بحق أنفسنا ومن حولنا وقطعنا الوقت أسرى للأجهزة الذكية، حتى استعضنا بها عن اللقاء الجسدي مع الآخر. في تجمعاتنا الأسرية التي لا نجد مهرباً منها يجلس كل من الحاضرين مع جهازه منزوياً في عالمه الخاص، بينما في الغرب ثقافة استخدام هذه الأجهزة مختلفة تماماً. تعلمت درساً لن أنساه من أصدقاء لنا كنت ألتقيتهم صدفة في سان فرانسسكو في ملعب التنس ثم اكتشفت أنهم في الفندق نفسه الذي نسكن فيه، وجمعتنا بعد ذلك لقاءات عديدة، رتبنا في أحدها موعداً على العشاء واتفقنا على قضاء ثلاث ساعات، في هذه المدة لم يستخدم ضيفانا جوالهما النقال ولم يتلقيا أي مكالمة ولم يجيبا على أي رسالة ولم يصوّرا أطباق الطعام الرائعة، عرفت قيمة الصديق وقيمة الاستمتاع باللحظة وكم نحن في عالمنا العربي نفوت لحظات رائعة نستبدلها بفلاشات سرعان ما تضيع في الفراغ. نحن أمة مستهلكة لا مبتكرة، نستمتع بما ابتكره الآخرون بطريقة فاشلة تحيد به عن رسالته النبيلة، لا بد أن نوقف هذه الفوضى الإلكترونية التي تعبث بعقولنا وتضيع أوقاتنا وتضر بذائقتنا أيضاً وتفشي أسرارنا وتنشر الشائعات والفوضى. أطفالنا وشبابنا طاقات كامنة لا بد أن نوجهها للأفضل، وأن نعمق داخلهم البعد الحقيقي للقدوة، من اخترع الفيس بوك كان شاباً يافعاً واكتشف أبدع وسيلة للتواصل بين البشر، شبابنا لديهم الإمكانات للابتكار وحصص النشاط المدرسي ربما تكون المنصة الأولى لتوجيه مواهبهم. لا للشائعات الإلكترونية، لا للحب الفضائي، لا للتواصل الإلكتروني، نعم الحياة والحقيقة والابتكار.
مشاركة :