حفلات «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» المشوقة تتواصل

  • 4/16/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت: سوسن الأبطح خلال خمسين دقيقة كان على الحضور أن يصرفوا تركيزهم كاملا لمتابعة ما يقوم به الراقصون السبعة على مسرح خلا إلا منهم. مستطيل أبيض ناصع افترش المسرح، وفوقه مستطيل آخر يوازيه تماما من البروجكتورات، مما جعل الراقصين وكأنهم في حلبة فارغة، تضاء تارة كما في وضح النهار، وأحيانا تخفت أضواؤها حتى تحيل الراقصين خيالات، ومرات غيرها تمارس الإنارة غمزا سريعا ومقصودا. دخول الراقصين ثم وقوفهم على المسرح صامتين محدقين بالجمهور لدقائق، تبدو طويلة ومربكة تتحول إلى ما يشبه لحظات تحدٍ وانتظار، لكن الحركة سرعان ما تدب تدريجيا فيما يشبه العدوى. لا داعي للموسيقى، فللصمت أنغامه، وللأنفاس بعد التعب إيقاعها، وللعرض مساره الذي يسوقنا إلى مغامرة تعبيرية، تحررت من قيود الرقص التقليدي لتذهب إلى استنفار الإمكانات الابتكارية، الإيحائية إلى أقصاها. «حبر» هو العرض الثاني بعد ذاك الذي قدمه في الافتتاح راسيل ماليفنت، ضمن «مهرجان بيروت للرقص المعاصر». المهرجان الذي من خلاله باتت للبنان إطلالة سنوية على آخر مبتكرات الرقص وفنونه في العالم. تسمية «حبر» ليست اعتباطية، إذ يراد منها الإيحاء بأن الراقصين إنما يكتبون بأجسادهم الكلمات، ويتصارعون معها ويصطدمون بها، يعانقونها تارة، وينفرون منها تارة غيرها. بكلام آخر، يحاول الرقص أن يقول المعنى المجرد على طريقته، فالحركة ناطقة والتشكيلات تتكلم، كما أن المساحة البيضاء التي اعتمدت مكانا للعرض، لها ما تقوله أيضا. على وقع موسيقى إيقاعية أو وترية، وأحيانا تشبه صرير آلات حديدية، أو أزيز منشار، وربما هذا كله معا، تصبح التشكيلات الراقصة أكثر حرية. لا داعي لمحاولة فهم ما تقوله الحيوية الفائقة للمؤدين، فالرقص الفيزيائي لا يحبس ذاته في المعنى أو يلتزم بقيود، فميزته أنه يتفلت مما يأسر ويكبح. إنه محاولة للخروج عن المألوف، وبلوغ أماكن بكر عجزت عنها الأساليب التقليدية الراقصة المألوفة. العرض ليس سردا لحكاية بقدر ما هو حث على التأمل والقراءة، والتمعن في لغة الجسد وقدرته على القول الآسر. من هنا نجد أن «حبر» عرض نخبوي، يستعصي على أولئك الذين لا يملكون مهارة المتابعة الفضولية. من تصميم اللبناني عمر راجح، والسويسري مارسيل ليمان، وأداء راقصين مختلفي الجنسيات بينهم لبنانيون مثل ميا حبيس، وعلى أنغام موسيقى بابلو بلاسيو وعازف الغيتار والعود محمد تركماني، بقي العرض جذابا، رغم أنه صعد وهبط، حلق وتراخى، اعتمد على التكرار أحيانا وعلى المفاجأة أحيانا أخرى. مشهد تمايل الأذرع وحوارها كان خلابا، ثم ذاك الكباش الثنائي الفاتن والعراك الرائع، الذي ترافق وأصوات تشبه قرقعة المفاصل وهي تتخلع، ومثله مقاطع التلاحم البشري الجماعي. ليس العرض كله شيقا، لكنه يبقى على عصب مشدود وجمالية تحث على المتابعة. ومن دون أدنى شك، كان للموسيقى دور رئيس لا يقل أهمية عن الكوريغرافيا نفسها. كل عنصر في العرض شغل بعناية، من الملابس التي بدأت خفيفة وقليلة، ثم غطت الأجساد تدريجيا، دون أن تستر المهارة العضلية في الحركة، مرورا بالموسيقى التي تخللتها كلمات وعبارات وجمل أو تمتمات سريعة، وصولا إلى فترة العرض التي جاءت على قدر اللازم دون زيادة أو نقصان. «مهرجان الرقص المعاصر» (بايبود) في احتفاليته العاشرة، لا يزال في أوله، العرض الأسترالي «هابي آز لاري» أو «سعيد مثلا لاري» ثم عرض «ثن فور سترينج» لفرقة المخبز من تصميم ريشار سيغال، يتبعه يوم الجمعة المقبل عرض «إريكشن» لمصممه بيار ريغال، ويستمر المهرجان حتى السابع والعشرين من الشهر الحالي، حيث يختتم يومي 26 و27 بالعرض الأميركي «ما لا يتذكره الجسد» للمصممين لويم فانديكيبيوس وألتيما فيز.

مشاركة :