شاعر تونسي يرسم لوحات سوريالية في شكل قصائد نثرية

  • 2/10/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

شاعر تونسي يرسم لوحات سوريالية في شكل قصائد نثرية يعتبر جيل التّسعينات من القرن الماضي، في الشعر التونسي، جيل المتناقضات والشّتات واللامعنى، فهو الجيل الذي جاء بين حدثين مهمّين في تاريخ العالم: سقوط جدار برلين وسقوط برجيْ نيويورك، لذلك كان جيل الصّدمات بامتياز، وحمل شعراؤه بروق التّغيير، واندفعوا في العاصفة دون حكمة الجذور، فقط بطيش الأجنحة لا غير. العربسفيان رجب [نُشرفي2017/02/10، العدد: 10539، ص(14)] جو سوريالي غريب (لوحة للفنان العالمي خوان ميرو) يعتبر الشاعر التونسي المنصف الخلادي من أهمّ الأصوات الشعرية، رغم أنّه تأخّر في نشر ديوانه الأوّل الموسوم بـ”سأكون دائما قرب النافذة”. تمثّل قصائد الديوان البكر أنموذجا للكتابة المستقبليّة التي نظّر لها السّورياليّون الفرنسيّون من أمثال أندريه بروتون وبول إيلوار، وهي كتابة موحية تستفزّ الذّهن، وتتحرّك داخل غابة من الرّموز، ولا تبحث عن المقروئيّة الجاهزة، بل إنها تحاول أن تخلق مقروئيّتها من عوالمها الجمالية ومن شروطها الفنّية المستحدثة، والشاعر يواصل منجز الشعراء العرب الحداثيّين، في ترسيخ نص شعري عربي يقطع مع الظّواهر الشفهية بما تحمله من رؤى سطحيّة للعالم قد هتكتها الثورة الكوبرنيكية والمنجز الفكري للإنسان الحديث. مركزية الإنسان تشترك أغلب الفنون الحديثة حول فكرة مركزية الإنسان، وذلك بالابتعاد عن محاكاة الطبيعة، أو خلق أنساق جديدة قوامها الخلق الإنساني، وقصيدة النثر لا تخرج عن هذا السياق، رغم أنها تطوّرت من خلال ردّ فعلي عن العبث الذي عرفه الإنسان بعد الحرب العالمية الأولى من خلال خبطات الدادئيّين والسّورياليّين، لكنها وجدت إطارا تنظيريّا لها خاصة مع التفكيكيين ونقصد هنا، دريدا ورفاقه. كتابة موحية تستفز الذهن وتتحرك داخل غابة من الرّموز تحاول أن تخلق مقروئيتها من عوالمها الجمالية واستفادت هذه الفنون، أيضا، من الأنساق الشعرية الجديدة مع ما يدعمها جماليا ورؤيويا من النصوص الملحميّة القديمة، وهذا ما أنقذ الشعر الحديث من مجانيته مع المجدّدين، وفي الآن ذاته حرّره من قيوده التقنية مع الكلاسيكيّين، وداخل هذا التجاذب تقيم قصيدة النثر الواعية والمفكّرة، والتي أحسب أنّ قصيدة منصف الخلادي تنطبق عليها بعض هذه الشّروط، ولعلّ أهمّها الاهتمام بالهامشي وبالتّفاصيل اليوميّة، فأحداث مثل تقشير بصلة في مطبخ، أو مرافقة كلب في جولة صباحيّة، أو ترشّف قهوة في شرفة بيت.. أو غيرها من الأعمال اليومية التي يمكن أن يقوم بها أيّ إنسان، تصبح عند الخلادي أحداثا تستحقّ أن يحتفي بها النص الشعريّ، وتعادل في أهميتها حروب الآلهة في ملحمة شعرية إغريقية. يقول الشاعر “دماغ المؤلف نُهب بداء الزّهايمر، وفي اليوم الذي نسي فيه كلّ شيء، استخدمني ملهما، وبالتّأكيد فتح لي الباب”. يذكّرنا هذا المقطع بدعوة أبي نواس لذلك الفتى العربيّ الذي يريد أن يكون شاعرا: انْس ما حفظت من شعر، وبعدها ستكتب شعرا أصيلا. فالشاعرُ تبْدأ مهمّته بعد النّسيان، حيث الصّور البكر، والأسلوب المتفرّد. بمعنى أبعد: الأصالة، الإبداع، وهذه غاية الغايات لكلّ كاتب، وهنا نستحضر كلمة الحكيم الصيني “جانغ زو” صاحب الحكاية الشهيرة حول حلمه بأنه فراشة، وحين نهض التبس عليه الأمر: هل هو إنسان أم هو فراشة؟ يقول حول مسألة الكتابة والنسيان: إن الكتابة العظيمة تمتزج فيها حكمة الشيخ بمخيّلة الطفل. وحين سأله تلامذته كيف؟ أجابهم بما يشبه إجابة أبي نواس “عليكم أن تلتهموا الكتب ثمّ تحرقونها، ومن رمادها تبدؤون”. شاعر رسام يكتب منصف الخلادي قصائد ديوانه، الصادر عن دار “زينب للنشر والتوزيع”، في تونس، وكأنه يرسم، وهو يذكّرنا بالتشكيليّين السورياليّين الإسبان من أمثال: بيكاسو وسالفادور دالي وخوان ميرو. حين نقرأ صور الميتاميرفوس التي امتلأت بها النصوص: الفراشة كانت يقطينة، العطر كان عنقودا، المطرقة كانت كتابا، الأخشاب اللامرئية روح نجّار تائب، الشعر ينقلك من صابونة إلى نجمة. كتابة تستفزّ الذّهن وتتحرّك داخل غابة من الرّموز كما يحتفي الشاعر بالرّسام فان غوغ في أكثر من نصّ، وهو يحلم بأن يغطّي جدران بيته بلوحات مونيه ورينوار؛ في كل ركن لوحة كما يقول في أحد نصوصه، كما أنه يحتفي بالألوان بشكل لافت، سواء استحضرها بالأسلوب الطبيعي، أو بالأسلوب السوريالي أحيانا أخرى، بتلوين العواطف والحواسّ، وهذا ما خلق عوالم تشكيلية داخل النصوص “بعد أن طاف المبشّر، وتاه المبشر/ لم يجد مكانا يستريح فيه أفضل من بيت ريفيّ يمتاز بلونه البرتقاليّ/ تحيط به حقول ذهبية شاسعة/ ودكت الحديقة بأزهار عبّاد الشمس/ كانت الشبابيك على شكل لطخات صفراء”. الطيور تبني أعشاشها من قشّ حقولها، هذه القولة لداروين لا تعكس نداء غريزيا للبقاء فحسب من خلال التمويه والتخفي عن الجوارح، وإنما أيضا تمثّل رؤية جمالية قوامها التناسق وهو شرط أساسي لكلّ تجربة فنية أصيلة، فالفنان الأصيل هو الذي تنتجه بيئته الاجتماعية والثقافية، فهو لسانها ويدها وعيونها وروحها في المطلق، وهنا تحديدا تظهر مشاكل نصّ الخلادي، فتجربته من خلال هذا الكتاب هي عصارة كتب ولوحات تشكيلية. وهي كتب ولوحات غربية بالأساس، حتى أننا نتساءل هنا: هل نحن أمام شاعر عربيّ أم نحن أمام شاعر غربيّ يكتب بالعربيّة؟ فالقصائد أغلبها غارقة في الجوّ التغريبي، من خلال أسماء الأعلام مثلا: فان غوغ، دافينشي، بيكاسو، انجلو، فرويد، نيتشه، تولستوي، برنارد شو، همنغواي، البير كامو، سارتر، هتلر، فرانكشتاين، لوثر كينغ، ديكارت، بيتهوفن، جاك برال… إلخ، حتى في قصيدته التي كتبها عن الكلاب، فقد ظلّ يرصّف أسماء الكلاب الغربية: الستيف، البولدوغ، الدوبر، البوكر، البرجي… بأسلوب شاعر أوروبي برجوازي. لكن حين نقرأ نصّ “الابن الثاني” المهدى إلى روح جون ماري، وهو قسّ أحبّه الشاعر في طفولته، كما يوضّح لنا هو في نصّ الإهداء، ندرك كلّ هذا الافتتان بالفنّ والفكر الغربي إلى حدّ الذّوبان، أليست الطفولة نبع كلّ تجربة، وهي دمغة الإلهام الأولى؟ من خلال الجذور يتحدد ارتفاع الشّجرة، فكلّما امتدّت الجذور في الأرض امتدّت الفروع إلى السماء، وهنا تكمن المعادلة القاسية بين الجذور والأجنحة، وهذا هو رهان الخلادي في كتبه القادمة. :: اقرأ أيضاً الأغنية اليمنية عكست انفتاح المجتمع قبل وصول التطرف رواية عن جريمة قتل تتكشف عن جريمة أكبر مهرجان ثقافي عربي/ إيطالي في ميلانو يستكشف الذات في الآخر إبداعات الشباب تتألق في مهرجان برلين السينمائي

مشاركة :