هل تترحمون على زمن الفن الجميل حين تسمعون عن خلاف بين اثنين من الفنانين؟ هل تعتقدون أن زمن الفن الجميل كان منزهاً عن تلك السقطات، التي نراها يومياً في أيامنا هذه؟ ماذا لو كانت مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على ذلك الزمن؟ ماذا لو كان محمد عبد الوهاب ومنيرة المهدية وأم كلثوم ورشدي أباظة وفريد شوقي وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد يغردون خلافاتهم على تويتر؟ اعلان "كبر وراحت عليه خلاص"، هكذا سخرت شيرين عبد الوهاب من النجم المصري عمرو دياب، خلال حفل زفاف عمرو يوسف وكندة علوش، بالإضافة إلى التلفظ بكلمات غير لائقة، ما تسبب في هجوم شديد عليها بعد تسريب مقطع الفيديو إلى مواقع التواصل الاجتماعي، واضطرها للاعتذار، قائلةً إنها كانت "بتهزر". اللافت كان رد "الهضبة"، الذي لم يقل كلمة واحدة، وهذا ما دعانا للمقارنة بين مشاكل الفنانين قديماً وحديثاً. أي زمن تجاوز الخطوط الحمراء؟ يرى الناقد السينمائي طارق الشناوي أن الماضي مثل الحاضر والمستقبل، والتجاوزات واحدة لا تختلف. فلا يوجد زمن كان جميلاً وآخر ملؤه قبح، الأزمنة كلها يختلف فيها الجمال والقبح، والذكاء والغباء. ولا توجد إطلالة صاحبها منزه عن الهوى، لكن السوشال ميديا جعلت انتشار تلك السقطات أوسع، ما يجعل الفضيحة أكبر، واللوم أكبر والاهتمام بها أكبر، لكن الأمر لم يختلف. عمرو دياب هاجم عبد الحليم حافظ في فترة من الفترات واضطر للاعتذار، وذهب إلى منزل العندليب كنوع من تأكيد الاعتذار. أقوال جاهزة شارك غردهل كان محمد عبد الوهاب غرد أن سيد درويش يلحن تحت تأثير المخدر؟ شارك غردهل كانت مريم فخر الدين لتكتب ستاتس "يعني إيه فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية، يعني إحنا العبيد"؟ ويؤكد الشناوي أن الفنانين الراحلين لم يسلموا من هذا التطاول، فمثلاً محمد عبد الوهاب قال إن سيد درويش يلحن تحت تأثير المخدر، وكان سيواجه عقوبة السجن بعد تحريك الورثة دعوى قضائية، إلا أن عبد الوهاب بادر إلى الاعتذار، وكانت الصحافة تمثل الوسيط بينهما في ذلك العصر. الخلافات في نظر الشناوي تتجاوز جميع الحدود في كل العصور، ولم تكن خلافات شريفة. فقد أوعزت منيرة المهدية لبعض الصحافيين بسب أم كلثوم في زمن الفن الجميل. الخلافات كانت كثيرة، منها ما كان بين رشدي أباظة وفريد شوقي، وهند رستم وتحية كاريوكا، وكاريوكا ونجوى فؤاد، ومحمد عبده وطلال المداح، انتهاءً بإليسا وهيفاء وهبي، وأصالة وهيفاء، وشيرين مع كل من عمرو مصطفى وعمرو دياب، واللائحة تطول. لكن الفرق أن الخبرة حينها كانت تلعب دوراً كبيراً في السيطرة على الخلافات، فالكبير عندما يخطئ يسارع للاعتذار و"الترضية والطبطبة"، ويكون حريصاً على إطفاء النيران قبل أن تشتعل أكثر. الفارق يكمن بين فنان وآخر، والأمر يرجع إلى ضعف الثقافة، الثقافة بالمعنى العام للكلمة. فالثقافة غير التعليم، أم كلثوم لم يكن لديها شهادات، لكنها كانت مثقفة، كذلك تحية كاريوكا. الثقافة تمنح الإنسان اللياقة واللباقة، والقدرة على التعامل. يقول الشناوي: "التطاول موجود طول الوقت، لكن وسيط الانتشار السريع، فايسبوك وتويتر ويوتيوب، أعطانا إحساساً بأن الكارثة لم تكن موجودة، لكن الكوارث من هذا النوع موجودة عبر الزمان". أكمل القراءة "الفنان لم يأت من سابع سما ولا من سابع أرض" من جهتها، تقول الناقدة الفنية حنان شومان، إن الفنان إنسان عادي يخطئ ويصيب، عندما اختلف اثنان من الأدباء الكبار، العقاد وإحسان عبد القدوس، قال أحدهما للآخر: "يا ابن من لو أغلقت ساقيها لمت جوعاً". الاختلاف إذاً واحد، حتى لو اختلفت اللغة، وفي كل العصور كانت هناك غيرة فنية وخلاف أدبي وفكري. الفارق الوحيد وجود الإنترنت والسوشال ميديا، الذي جعل العالم صغيراً، وأصبح الخلاف سريع الانتشار. ليس صحيحاً أن الفنانين حالياً "قليلو أدب" وأنهم في الماضي كانوا "ملائكة بأجنحة"، فالاختلاف في لغة الاختلاف، وأزمة شيرين مؤخراً مع عمرو دياب أزمة مجتمع بأكمله، ولا تتحمل وزرها منفردةً. هذا الحديث كان في حفل خاص، لكن "حمى النشر" سبب تسريبه للسوشال ميديا، وهذه القصة لو حدثت في الثلاثينيات لما تخطى عدد مستمعيها الـ30 شخصاً، وربما كان التطاول أفظع. لا يوجد اختلاف بين الفنانين قديماً وحالياً، فالنفس البشرية واحدة، ربما زادت أزمة "صراع الأجيال"، لكنها أزمة مجتمع لا فنانين فقط، لأن الاحترام قل لدى الجميع. فقد قالت الفنانة مريم فخر الدين يوماً: "يعني إيه فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية، يعني إحنا العبيد". الفرق الوحيد في نظر شومان هو وجود وسائل التواصل الاجتماعي، واختلاف المجتمع نفسه. منذ ثورة يناير سقطت ورقة التوت في خلاف الأجيال، والتطاول أصبح أكثر، والبرامج التلفزيونية ساهمت بشكل كبير في هذا، وشيرين ليست عجباً، أخطأت لكنه خطأ يقع فيه الكثيرون، ومن كان منا بلا خطيئة فليرجمها بحجر. الموهبة دون ثقافة تتحول لـ«كيان عشوائي» "الفنانون في كل زمان هم نتاج حضارة وثقافة هذا الزمان، لأن الفنانين انعكاسات للمستويات الثقافية والحضارية"، يقول الناقد الفني رامي عبد الرازق. ويرى أن خلافات الفنانين حالياً دليل على تردي المستوى الثقافي، وهذا لا يعني أن فناني الأزمنة الماضية لم يخوضوا معارك الوسط الفني، لكن كان هناك حد أدنى من الاحترام ومن المكايدة الفنية، ومن المواجهة، مثل المواجهة الشهيرة بين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم، وعلاقته بفريد الأطرش والحرب الباردة بينهما طوال الوقت. ويوضح عبد الرازق أن الصحافة الفنية قديماً كانت تقوم بمهمة "الفلتر" بين الفنانين. ويضيف: "كانت هناك جلسات نميمة، لكن ذلك لم يكن يصل إلى الجمهور". السوشال ميديا في أيامنا تفتقد هذا الفلتر، والصحافة الفنية حالياً لا تغطي أخبار الفنانين الحقيقية، بل تغطي ما يحدث عبر السوشال ميديا. ماذا لو كانت السوشيال ميديا حاضرة في زمن الفن الجميل؟ سؤال طرحناه على عبد الرازق، فكان جوابه: "الوضع كان سيصبح مختلفاً عن الصورة التي في أذهاننا، وكنا سنرى صدامات عنيفة، وجلسات النميمة ستسبب مشاكل كثيرة، لكن ليس بالقدر الحالي نفسه، لأنهم كانوا يملكون الحد الأدنى من الثقافة واحترام أخلاقيات المهنة، والرغبة في الحفاظ على الصورة العامة، واحترام الأجيال السابقة والاعتراف بفضلهم. لكن موخراً، أثرت السوشال ميديا سلبياً، في حين كان يفترض أن تخلق حالة أفضل، وشفافية أكبر، لكنها أصبحت مرتعاً للفضائح، والتنكيل والتشويه، وفخاً لفنانين كثيرين . ويضيف: "كذلك الصحافة الفنية، استسلمت لتغطية مواقع التواصل، وأصبحت مهتمة بما يشعل هذه الوسائل". ويرجع عبد الرازق ضعف الصحافة الفنية إلى انعدام الخبرات، وعدم وجود إستراتيجة عامة، وانعدام دور الهيئات الرقابية. من «الرقي» إلى «الردح» يذكر الناقد الفني رامي العقاد واقعة بين أنور وجدي وفريد شوقي خاصة بالإنتاج الفني، فعام 1952، تزامن عرض أول فيلم من إنتاج فريد «الأسطى حسن»، مع عرض فيلم من إنتاج أنور وجدي «مسمار جحا»، فسارع الأخير إلى البوليس السياسي وقدم ضده شكوى يتهمه بأنه يروّج في فيلمه الجديد للشيوعية، وبالفعل تم لأنور ما أراد، وأوقفت السلطات عرض الفيلم، ولم يُفرج عنه إلا بعد قيام ثورة يوليو 1952. وحين علم شوقي أن أنور وجدي سبب منع الفيلم عاتبه بشدة، لكن وجدي أجابه: «أُمّال تنـزل أنت تأكل السوق وأنا أخسر، أنت حتتأخر شوية أكون أنا لمّيت فلوسي وجبت ثمن الفيلم». والخلاف بين نادية الجندي وإلهام شاهين حول فيلم الرغبة، حين رفضت شاهين أن تلقب الجندي «نجمة الجماهير»، خصوصاً بعد فوز الجندي بجائزة أحسن ممثلة في الفيلم، لدرجة أن إلهام شاهين قررت ألا تمثل معها ثانية. أيضاً كانت هناك خلافات بين صباح وتحية كاريوكا، لكنها لم تصل إلى شاشة التلفزيون. تطور الخلافات في نظر العقاد وطريقة التعامل معها، يرجع إلى عدة أبعاد، منها ما هو تربوي واجتماعي. ولفت إلى أن الفن مرآة للواقع، لكن بصورة فنية. كذلك البعد المادي، فالأجور كبيرة، بالإضافة إلى الاضمحلال الثقافي. ويعتبر العقاد أن الخلافات قديماً كانت تحل بعيداً عن الكاميرات وبرامج التوك شو، عكس اليوم. وأضاف العقاد أن الصحافة الفنية فقدت الكثير من رصيدها، وأصبحت تثير الشائعات، مثل طلاق وزواج وموت الفنانين. فالكثير من المواقع تبحث عن الإعلانات والتريند. اقرأ أيضاً أبرز المنافسات بين أهل الفن: من أم كلثوم وعبد الحليم إلى هيفاء وهبي وإليسا صفحات رؤساء مصر الساخرة على فيسبوك... معارضة خفيفة الظل الفنانون العرب والفضائح الجنسية: من تشويه السمعة إلى السجن كلمات مفتاحية خلافات سوشال ميديا فنانون التعليقات
مشاركة :