«نحن مُعيل ولسنا عالة»... عبارة قد تصلح شعاراً لمشروع «سيريان جاسمين» (أو الياسمين السوري بالعربية) الذي أطلقته السورية لارا شاهين من العاصمة الأردنية عمّان عام 2014 في محاولة منها لمدّ يد العون للاجئات السوريات من خلال تدريبهنّ على حرفة وبيع منتجاتهنّ عوضاً عن مجرد تقديم المساعدات المالية الآنية التي تعتبر غالباً «غير كافية ولا تسد رمق»، على حد قول شاهين. وتشرح لنا شاهين خلال مقابلة على «سكايب»، بكل عنفوان وإصرار وثقة بالنفس، هي التي انخرطت منذ كانت في سورية في العمل الاجتماعي والإنساني ولم تتوقف عنه عند انتقالها الى عمان عام 2012، قائلة: «أواخر 2013، صرت أفكرّ بطريقة مختلفة تماماً. فنحن عادة نساعد اللاجئين السوريين من خلال توفير الأكل والمأوى والدراسة إلا أن ذلك غير كافٍ ولا يأخذ بعين الاعتبار العامل النفسي المهم جداً. فأنتِ لاجئة دُمّر بلدها وخسرت كل شيء وعندما يأتي الناس لمساعدتك تشعرين بالذلّ لاسيما أننا شعب مبدع وحرفي وفنان وحتى لو الظروف صعبة نستطيع التغيير والسعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي». العمل هو سلاح عوّلت عليه لارا شاهين، عندما قررت أن تأخذ بزمام الأمور وتُطلق مشروعها. شاهين المولودة في دمشق عام 1982 خريجة معهد تجاري إلا أنها، كما ذكرنا، طالما اهتمت بالعمل الإغاثي الذي واصلته في عمّان داخل المخيمات وفي منازل اللاجئين السوريين. وهنا تشرح لنا: «من خلال زياراتي لبيوت بعض الناس، لاحظت العديد من الأعمال اليدوية التي كانت تزيّن منازلهم وتساءلت لماذا لا نحوّل هذه الطاقة لعمل يؤمن معيشتهم؟ وهكذا انطلقت(جاسمين) للمشغولات اليدوية»؛ اسم يرتبط بدمشق، عاصمة الياسمين. 40 لاجئة سورية يُشكّلن أسرة «جاسمين» في عمان اليوم في حين نحو 1000 امرأة تابعْن دورات تدريبية مع المؤسسة لتعلّم مختلف الحرف، من خياطة الكروشيه والصوف إلى الصابون العربي. وقد حوّلت هذه السيدات تلك الحرفة إلى وسيلة لإعالة عائلاتهنّ حتى أن العديد منهنّ هاجرن إلى مختلف دول العالم وحملن الحرفة معهن من أجل الاستفادة منها في بلد اللجوء. وتخبرنا شاهين: «عام 2014، بدأت العمل مع 5 نساء سوريات تعرفت عليهن في عمّان وكنّ يملكْن المصانع في سورية قبل أن تدمرها الحرب. واحدة كانت تمتلك معملا لصابون الغار وأخرى مصنعا للصوف والكروشيه... استفدنا من خبراتهنّ من أجل تنظيم الدورات الحرفية وعلّمنا 250 امرأة في السنة الأولى من إطلاق المشروع». ينقسم العمل في «جاسمين» إلى نوعين: الأول في مقر المؤسسة مع المنسوجات والخياطة والصابون المنزلي والثاني هو المنتجات التي تصممها النساء من منازلهن وغالباً ما تتمحور حول حياكة الصوف أو الكروشيه. وتشرح شاهين: «نملك أربعة أقسام في المقر: قسم الخياطة حيث الماكينات والمنسوجات، وقسم الصابون، وقسم المعرض حيث نقدّم كل منتجاتنا، والقسم الإداري». وتضيف أنها توفّر للنساء اللواتي يعملن في المشغل أو من المنزل كل المواد الأولية الضرورية. وهنا تتنهّد قائلة: «في البداية، واجهت العديد من الصعوبات لاكتشف المصادر الرئيسية للمواد الأولية التي تقدّم أفضل الأسعار. كان الأمر صعباً لاسيما أنني غريبة عن البلد. أما في ما يتعلق بالمعدات والآلات، فساعدني الكثير من الأصدقاء على شرائها، أكان من الأردن أو من الخارج». شاهين التي لا تُتقن أي حرفة يدوية لا من قريب أو من بعيد لا بل متخصصة بالأعمال، تراقب عن كثب عملية الإنتاج في المشاغل لتوفّر أعلى جودة لمنتجاتها حتى أنّها تشدّد على أنها تابعت دورة في صناعة الصابون للتأكد من أن كل شيء يسير على قدم وساق. وبالفعل، حتى الآن نجحت في أن تُعيل اللاجئات السوريات اللواتي يعملن معها. فهي تقدّم راتباً ثابتاً شهرياً للواتي يعملن معها في المشغل في حين تتقاضى السيدات اللواتي يعملن في منازلهن حصة بحسب كل قطعة وتأخذ المؤسسة نسبة معينة على المنتج. وتشرح لنا «غطاء الطفل مثلاً قد يكلّف 10 دولارات وأجرة السيدة هي 10 دولارات. وبالتالي، أُضيف نسبة بين 15 و20 في المئة على سعر البيع النهائي». نسبة ضرورية من أجل استدامة «جاسمين» ولاسيما أن شاهين تشدد على أن المؤسسة ليست خيرية لا بل مؤسسة فردية ربحية لا تقبل التبرعات والمساعدات؛ لا بل أن المساعدة الوحيدة التي توافق عليها هي من الذين يعرضون عليها أن يبيعوا منتجاتها. بيع منتجاتها يعتمد في شكل أساسي على شبكات التواصل الاجتماعي وتحديداً صفحة «جاسمين» على «فيسبوك»، ولاسيما مع صعوبة الحصول على ترخيص تجاري لامرأة سورية في الأردن، ما لا يسمح لشاهين ببيع منتجاتها بشكل مكثف في الأسواق الأردنية. كما تعوّل على المنظمات الأجنبية التي تزورها وتشتري البضائع لتبيعها في بلدانها، على غرار كندا والسويد وألمانيا والسعودية والكويت والإمارات، حتى لو بكميات قليلة لأن المنتجات لا تملك شهادات منشأ. المبيعات تساعد «جاسمين» على الاستدامة وتوفير لقمة العيش للعديد من اللاجئات السوريات حتى لو أن البداية كانت بمبادرة شخصية من شاهين. وتوضح قائلة: «بدأت مع 2000 دولار ومكتب من 40 متراً وأدوات بسيطة جداً لأنني كنت أريد جسّ النبض واختبار نجاح فكرتي. ومبلغ 2000 دولار تحوّل إلى 4000 ثم 6000 وتمّكنا من تطوير ذاتنا». ولكن من هنّ النساء السوريات اللواتي استفدن وما زلنا من «جاسمين»؟ تشدد شاهين: «جميعهنّ عشن الحرب وهربن من مدنهنّ، حمص، دمشق، حلب، درعا. هنّ بنات عزّ يعشن في المناطق المتضررة وخسرْن كل شيء في الحرب. هن سيدات يردْن تقديم شيء ولو بسيط لوطنهنّ من خلال العمل والتدريب. يعتبرْن أنهن يدربْن أجيالا ستُساهم، عند العودة، بإعادة الإعمار كما يحاولْن تفريغ الطاقة ونسيان ما حلّ بهنّ». أم عماد، على سبيل المثال، لجأت من حمص وهي قد تجاوزت الستين من العمر وأم لشهيدَين ومعتقل. يسكن معها 11 ولداً فقدوا الأم والأب. ترفض إم عماد أن يُشفق أحد عليها وبالتالي، جعلت من الخياطة التي تتقنها بمهارة شغلتها لتحضر يومياً إلى المشغل بغية العمل. أما أم نورس، الآتية من الشام، توجهت إلى الأردن وهي ما زالت حتى اليوم لا تصدّق ما حدث معها ولا تعرف شيئاً عن ابنها المفقود. تسعى أم نورس من خلال «الموزايك» أي الرسم على الخشب إلى تفريغ مشاعرها والتعويض ولو بشكل بسيط عن ما خسرته. هذه ليست إلا عيّنة صغيرة من قصص اللاجئات السوريات اللواتي انضممْن لأسرة «جاسمين» من أجل تغيير الوضع الراهن واللواتي تجاوز عمر غالبيتهن الأربعين عاماً. ولعلّ إحدى السيدات اختصرت مهمة «جاسمين» بالقول إنها سورية الصغيرة في الأردن وكأننا نجتمع معاً في الشام وعندما ينتهي العمل نعود إلى عمّان. بعد نحو ثلاث سنوات على إطلاق «جاسمين»، قد تكون شاهين قد تخطّت العديد من العقبات وساهمت ولو قليلاً بتحسين أوضاع اللاجئات السوريات في الأردن إلا أنها تحلم بالقيام بالمزيد. فتريد أن تساعد المزيد من السيدات وتدرس إمكانية توسيع نشاطاتها في دول أخرى مضيفة للاجئين السوريين إلا أن أهم حلم يدغدغها هو «رؤيتي لـ(جاسمين)في دمشق. أحاول تأسيس وتدريب كوادر قوية وعملية قادرة على العمل لاحقاً في سورية لتكون المؤسسة متواجدة في كل المحافظات السورية. هذه رؤيتي التي تشاركني بها كل سيدات المؤسسة». ويبقى الأهم بانتظار أن يتحقق حلم العودة والعمل على أرض الوطن، أن «جاسمين» ساعدت في تغيير حياة العديد من السيدات السوريات، أكان على مستوى توفير لقمة العيش أو بناء شخصيات متينة. وتقول شاهين: «لاحظت التغيير على مستوى شخصية المرأة التي غالباً لم تكن تحتكّ بالعالم الخارجي. باتت قيادية وصار لها دور مهم في المجتمع وتحولت من امرأة ضعيفة إلى امرأة قوية تريد أن يكون لها دور اقتصادي واجتماعي وسياسي». * متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
مشاركة :