علا مطيرة: تغطية قوارب الموت غيّـرت نظرتي إلى الحياة

  • 2/13/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قدمت مراسلة قناة «العربية» علا مطيرة أخيراً في برنامج «مهمة خاصة» تحقيقات استقصائية لأكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وهي أزمة اللاجئين والهاربين من الحروب الأهلية والمجاعات. تقول علا لـ «الحياة» رداً على سؤال حول أهم عوامل الجذب الصحافي لتغطية قضايا المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر: «الهجرة براً أو بحراً مأساة إنسانية بحد ذاتها، فليس هناك ما هو أصعب من أن يُهجّر الإنسان من وطنه بسبب الحرب أو العنف أو الاضطهاد أو الفقر، ويلجأ للبحث عن مكان آمن في بقعة ما. والأصعب أن يقذف بنفسه وعائلته في الأخطار من أجل الوصول، مع أن الساعين إلى الهجرة عبر البحر يواجهون خطراً أكبر، فهي مسألة حياة أو موت». وتضيف: «يتجسد فعلياً الشعور الحقيقي بحجم المأساة عندما يرى الشخص عن قرب كيف يكون حال المهاجرين متكدسين على متن قارب مطاطي بائس في عرض البحر يتقاذفه الموج، وثمة لحظات تفصلهم عن الغرق في بحر لا يعرف كثر منهم السباحة فيه». وعن طريقة تقديم أفكارها تلفزيونياً حول الأزمة تقول: «أقدمها في شكل إنساني ومهني مع التركيز على نقل معاناة اللاجئين وواقع حالة التشرد الجماعي، وعرض قصص إنسانية تتناول تجربة اللاجئ شخصياً في رحلة لجوئه. ففي أوج الأزمة مثلاً، عندما تدفق عشرات آلاف اللاجئين، ومعظمهم سوريون، من تركيا إلى اليونان ومنها إلى دول غرب أوروبا، غطيت أنا والزميل المصور باسل العلي من صربيا، أبرز دول عبور اللاجئين قبل إغلاق حدود دول البلقان في وجوههم. إضافة إلى تنقلنا في دول عبور أخرى مثل اليونان ومقدونيا وغيرهما. وفي كل محطة توقفت عندها خلال تغطية أزمة اللاجئين، عايشت قصص المئات منهم واستوقفني الكثير منها. هنا سأروي تجربة لاجئ سوري التقيت به في صربيا، كان عائداً من ألمانيا إلى تركيا عبر الدول ذاتها التي مرّ بها في رحلة لجوئه المعاكسة. لاجئ يشق طريقه عائداً بينما الجميع ذاهبون، كان لا بــد مــن التوقــف عند قصته». وحول ما اذا كانت تعتقد أن التغطية الورقية لم تعد تجدي في حال معرفة العدد الحقيقي من ضحايا الهجرة غير الشرعية تقول مطيرة: «في قصص المهاجرين عبر البحر، للصورة تأثير كبير ومهم في نقل الواقع. وصف حال عشرات اللاجئين وهم على قوارب الموت وسط البحر، والخوف على وجوههم وكيفية تحوله الى شعور بالطمأنينة بمجرد انتشالهم من القارب... كل تلك المشاهد يكون لها تأثير أكبر بالصورة. ولكن هذا لا يعني أن التغطية الورقية للأزمة لم تعد تجدي. برأيي أن أي وسيلة نقل إعلامية لهذه المأساة الإنسانية لها أثر. ولا بد من التذكير دائماً أن من بين كل 11 شخصاً وصلوا إلى إيطاليا عبر المتوسط يغرق منهم مهاجر على الأقل. هذا إضافة إلى عدد غير معلوم من الساعين إلى الهجرة الذين يختفون في مقبرة المتوسط. نعم هناك عدد كبير من الساعين إلى الهجرة تختفي قواربهم، إن لم تعثر عليها سفن الإنقاذ أو لم يعثر على جثثهم. ولذلك، لا يمكن معرفة العدد الحقيقي لضحايا زوارق الموت». وعن إثراء قناة «العربية» لتجربتها في خصوص تغطيات هذه الأزمة، تقول: «أعتبر قناة «العربية» مدرسة في مجال الصحافي الشامل، وفيها يكتسب كل أدوات العمل المهني بدءاً بالتحرير وإعداد التقارير والمونتاج، إضافة إلى التصوير. وهذا أثراني كثيراً في تجربتي في العمل الميداني في تغطية أزمة اللاجئين، بخاصة أن «العربية» أيضاً تولي أهمية للقضايا الإنسانية. ومع تفاقم أزمة اللاجئين، أتاحت القناتان، «العربية» و «الحدث»، مساحة كبيرة على شاشتيهما سواء للتغطية المباشرة أو لعرض القصص الإنسانية، من خلال شبكة مراسلين وموفدين في معظم دول عبور اللاجئين والدول الأوروبية التي وصلوا إليها. كنا أول محطة عربية تنقل توافد آلاف اللاجئين من مقدونيا إلى صربيا ومنها إلى هنغاريا». وعـــن تــنـــقلاتها الميدانية لتغطية أحداث كثيرة مع بقاء تيمة المهاجرين هي الأساسية في عملها الصحافي، تقول مطيرة: «كانت تجربة مختلفة، على صعيد خطورة أوضاع المهاجرين. ففي هذا الجانب من المتوسط، قصة أخرى لقوارب الموت التي تنطلق من ليبيا على أمل الوصول إلى إيطاليا. وإذا قارنا رحلة اللجوء عبر بحر ايجه من تركيا إلى اليونان، ورحلة ليبيا إلى ايطاليا، فالأخيرة أكثر خطورة بكثير لأن المسافة بين ضفتي ليبيا وإيطاليا أكثر من ضعف تلك المسافة التي تقطعها قوارب الموت من تركيا إلى اليونان. توقفت كثيراً عند حقيقة أن تلك القوارب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصل إلى سواحل إيطاليا، بالتالي يكون مصيرها إما الغرق وإما تجرها الرياح إلى الجانب الشرقي من المتوسط وتختفي، ويبقى احتمال النجاة مرهوناً بسفن الإنقاذ المنتشرة قبالة سواحل ليبيا، وهذه السفن محدودة الإمكانات وتتبع منظمات أوروبية تعنى بحقوق الإنسان. معايشة هذه التجربة، بكل تفاصيلها، تحدياتها، صعوباتها كان لها أثر كبير في تجربتي مهنياً وإنسانياً. يمكن أن أقول إنها غيّرت أيضاً من نظرتي إلى أمور كثيرة في الحياة». وحول مصطلح المهاجر غير الشرعي الذي لم تغيره فظاعة الأهوال التي يعيشها المهاجرون تقول مطيرة: «اعتقد أنه من غير المنصف أبداً أن يطلق مصطلح مهاجر غير شرعي على كل من هرب من حرب أو اضطهاد أو استعباد وخاطر بحياته في البحر ليعيش في مكان آمن أو يحظى بفرصة أفضل للعيش. أنا أفضل تسميتهم بالساعين إلى الهجرة لأن عبارة مهاجر غير شرعي تنطوي على استنتاج تشريعي من دون إعطاء المهاجر حقه في الترافع في قضيته، ولأنها لا تتلاءم إنسانياً مع ما يواجهه المهاجر في رحلة لجوئه ليصل إلى ملاذ آمن، فهنا تتجدد الإخفاقات في استخدام المصطلحات المتعلقة بالهجرة. حتى المنظمات الدولية المعنية بهذه القضايا، وبتوصية من الأمم المتحدة عام 1975 تركز على استخدام مهاجر غير نظامي بدلاً من غير قانوني أو غير شرعي». وتقول عن امكانات نجاح اغلاق معبر ليبيا بعد نجاح الاتحاد الأوروبي في اغلاق معبر تركيا - اليونان: «قبل الحديث عن نجاح إغلاق المعبر الليبي، لا بد من وقف نزيف الغرق في المتوسط الذي أودى بحياة أكثر من خمسة آلاف شخص العام الماضي. لا بد من تأمين طرق آمنة للجوء إلى أوروبا. يجب إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة تبدأ بمكافحة شبكات المهربين المنتشرة في دول كثيرة. لا أعتقد أن من السهل إغلاق معبر ليبيا، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة فيها. هناك حالة فوضى، وهو ما قد يعرقل إيجاد آلية تعاون مشترك بين الاتحاد الأوروبي والسلطات الليبية لمكافحة شبكة المهربين المنتشرين في ليبيا ووقف حركة قوارب الموت من سواحلها. حتى الاتفاق التركي- الأوروبي عرضة للفشل في أي لحظة على رغم إغلاق المعبر البحري بين تركيا واليونان، لا تزال هناك بعض القوارب تنطلق من تركيا وإن بنسبة ضئيلة، حيث انخفضت نسبة الهجرة بعد القرار التركي- الأوروبي بنسبة 86 في المئة وفق تقديرات خفر السواحل التركي». وتشير الى رمزية سفينة الكرامة التابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود» التي رافقت رحلاتها في الإنقاذ، قائلة: «هذه التجربة لا تمثل بالنسبة إلي نقلة مهنية في مجال عملي فحسب، بل هي تجربة حياة لن أنساها، إذ غيرت كثيراً في طريقة تفكيري ورؤيتي للأمور، وجعلتني للمرة الأولى أدرك ما معنى النجاة والهروب من الموت».

مشاركة :