ربّما يكون المثقّف اليوم مطالباً أكثر بالعمل على إعلاء شأن ثقافة تتسامى على الجدران العازلة وتساهم في تجسير الفجوات وتبدّد سوء الفهم. العربهيثم حسين [نُشرفي2017/02/13، العدد: 10542، ص(15)] “هناك علامات كثيرة تحمل على الظن بأن اختلال العالم وصل إلى طور متقدم وبأن الحؤول دون التقهقر سيكون أمراً عسيراً”. هذه الجملة التي كتبها اللبناني أمين معلوف في كتابه الهام “اختلال العالم” تشير بوضوح إلى الأزمة المستفحلة في عالمنا المعاصر، وتلفت النظر إلى ترقب زلازل سياسية وتاريخية وثقافية قد تعصف بنا. هل تنعكس الأحداث التي تعصف بالعالم الحديث على الثقافة بطريقة مباشرة أم أنها تحتاج إلى وقت كي تتبلور وتنضج ومن ثم يتم تظهيرها في قوالب فنية أو ثقافية أو إبداعية؟ هل بهذا المعنى تكون الثقافة تابعة للاقتصاد والسياسة ومقتفية تأثيراتهما التي يخلفانها في مجمل تفاصيل الحياة؟ هل يمكننا القول إن الثقافة بهذا المعنى تخلت عن الدور الذي يفترض أن يكون ريادياً لصالح تبعية لا تناسب طبيعتها الإنسانية؟ ظهرت أعمال تلفزيونيّة وسينمائيّة ووثائقية غربيّة تسلّط بعض الأضواء في مشاهد منها، أو تفاصيل وخطوط دراميّة، على مأساة اللاجئين وطريقة استغلال السياسيّين لها، وما يمكن الاصطلاح عليه بتوظيف المحنة وتجييرها سياسيّاً للتلاعب بعقول الناس من خلال التشديد على احتمال تسرّب متطرّفين أو اندساسهم ضمن أفواج اللاجئين وتشكيلهم خطراً على أمن المجتمعات التي ينسلّون إليها بحجّة تعميم الإرهاب فيها. وربّما تنطلق هذه النظرة من وقائع معيّنة لكنّها لا تخلو من تضخيم للحدث وتحميل جانب وحيد المسؤوليّة كلّها، وكأنّ اللاجئين كلّهم متساوون في خلفيّاتهم الثقافيّة ومنابتهم الفكرية، وكأنّهم مقولبون على الانتقام التالي أو يمهّدون له، ومن ثمّ التفكير المضمر بأنّ داخل كلّ لاجئ إرهابيّاً غافياً يمكن لأيّ فتنة أن توقظه، أو يمكن أن يكون هو نفسه فتنة مستقبليّة متوقّعة، أو قنبلة بشريّة موقوتة. يجد المثقّف المشرقيّ في الغرب نفسه، في بعض الأحيان، في مواجهة مفتوحة مع ثقافة الاستذآب؛ التي هي ثقافة التجريم المسبق، وهي ثقافة تكاد تكون سائدة، عليه أن يخوضها، تلك الثقافة التي يتمّ ترويجها تعلي من شأن الجدران العازلة التي يتمّ النداء لبنائها والتخطيط لها في أكثر من مكان، والتي تكون صدى للجدران اللامرئيّة التي تفصل القلوب وتقسّم الشعوب وترفع من منسوب الاستعداء والكراهية والعنصريّة عبر ضخّ الرعب وصناعة الخوف، بحيث يحتلّ رُهاب الآخر صدارة المشهد على حساب ما يفترض أن يكون التحاور معه وإيجاد نقاط مشتركة لذلك. ربّما يكون المثقّف اليوم مطالباً أكثر بالعمل على إعلاء شأن ثقافة تتسامى على الجدران العازلة وتساهم في تجسير الفجوات وتبدّد سوء الفهم، أو ما يمكن توصيفه بإساءة الفهم في ظلّ التصعيد المتواتر الحاصل، ويكون أمام واجب التنشّط ومسؤولية التفاعل لأنّ إعصار التطرّف لا يستثني أحداً من آثاره المفجعة. كاتب من سوريا هيثم حسين :: مقالات أخرى لـ هيثم حسين في مواجهة الجدران العازلة, 2017/02/13 أمانة الحب أمير عاشق وفتاة من الشعب, 2017/02/12 الروائيّ واستشراف المستقبل, 2017/02/06 الشغف وسيلة لتسميم الحياة, 2017/01/30 قراءة الكتب أهي للتسلية؟ , 2017/01/23 أرشيف الكاتب
مشاركة :