يسألني الأخ الإعلامي الجزائري عن سر ما يراه إصراراً منا على معاداة إيران، ورفض التوافق معها لمواجهة الأخطار المهددة لأمن النظام العربي، ومن بينها الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وتركيا وإسرائيل. قلت له إنني لا أتفق معه في بعض ما ذكره عن مهددات الأمة، فتركيا يمكن أن تكون عصبة رأس وحليفاً استراتيجياً لا غنى عنه. والحديث عن هذه المهددات يطول، وعليه فسأكتفي هنا بمحددات العلاقة الخليجية مع إيران، التي تزداد وضوحاً مع الأيام. هناك 5 محددات رئيسية لعلاقتنا مع الجارة الفارسية الكبرى؛ أولها أمن الخليج واستقرار دوله. فإيران لا تزال تنظر باستعلاء واستكبار إلى جاراتها العربية، وتعتبرها إمارات نفطية ليس هناك إرث حضاري لها ولا مقومات حقيقية لاستمرارها، لذا فهي تتعامل مع من تسميهم شعوب المنطقة مباشرة وتتجاهل حكوماتها، وتنص أدبيات خطابهم السياسي على دعم المستضعفين والمحرومين، (ويعنون بذلك الأقليات الشيعية)، وتمكينهم في هذه البلدان. وعليه، فإن المفهوم الإيراني لأمن المنطقة يتعارض حتماً مع المفهوم الخليجي القائم على الدفاع عن المكتسبات وتثبيت ركائز الأمن والعقد الاجتماعي بين الشعوب وقياداتها، مع رفض التدخل الخارجي في الشأن الداخلي. والتعاون بين دوله ومع الحلفاء والشركاء في المنطقة وخارجها عسكرياً وأمنياً واقتصادياً لتحقيق هذه الأهداف. المحدد الثاني هو الاختلاف الجذري في التركيبة السياسية والعقائدية والعرقية بين الطرفين. فإيران جمهورية فارسية العرق الحاكم، جعفرية المذهب الرسمي، تعتمد دستوراً يصدّر الثورة ويرفع رايات دينية لبسط النفوذ وتحقيق المصالح الجيوسياسية من خلال التحالف الدائم مع حكومات طائفية كالعراق وسوريا، وأنظمة مارقة ككوريا الشمالية واليمن، ومنافسة للغرب كروسيا وكوبا وفنزويلا. أما دول الخليج، فهي ملكيات عربية سنية، تستهدف تعظيم المصلحة والنفوذ السياسي والاقتصادي عن طريق المشاريع التنموية وتقديم العون الدولي والشراكات التجارية والتحالفات الأمنية الإقليمية والدولية مع منظمات أممية ودول كبرى، لها ارتباط تاريخي بها كأمريكا وبريطانيا وفرنسا، وصاعدة كالصين والهند وكوريا الجنوبية، وإسلامية كتركيا وباكستان وماليزيا. المحدد الثالث للعلاقة الخليجية مع إيران هو طموحاتها النووية التي تهدد هذه الدول عسكرياً وأمنياً، وكذا بيئياً، إذا أخذنا في الاعتبار أن مفاعل بوشهر يقع على الضفة المقابلة ويستخدم تقنية أكثر تخلُّفاً من تلك التي أدت إلى كارثة مفاعل شورنوبيل الروسي عام 1986. المحدد الرابع هو المشروع الساساني التاريخي للهيمنة على المحيط العربي (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، ثم البحرين وبقية دول الخليج ومصر. وهو مشروع انطلق مع قيام الثورة الخمينية ولا يزال قائماً ومستمراً ومصراً على استكمال تنفيذه. المحدد الخامس هو مفهوم الدولة الدينية العالمية تحت حكم الولي الفقيه، (وهي الموازي للخلافة الإسلامية التي يسعى لتحقيقها تنظيم الدولة وغيره من المنظمات الإرهابية)، ومرجعية جميع الشيعة في العالم لهذه الدولة، والسعي لإقامتها بإشعال الفتن الطائفية والعرقية والسياسية في العالم الإسلامي ورعاية الإرهاب والتبشير المذهبي؛ بهدف بسط النفوذ السياسي وتحصيل زكاة الخمس. أمام هذه التحديات والتهديد الوجودي لدول وشعوب الخليج، التي زادت تحت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وتفاهماته السرية والعلنية مع نظام الملالي، كان لا بد من قيام تحالف عربي-إسلامي بمبادرة خليجية؛ لمواجهة تلك الأخطار. ولحسن الحظ فقد تغيرت الرياح الغربية مع مجيء إدارة ترامب المعادي لإيران وتبدل الموقف البريطاني والأوروبي لصالح دعم دول الخليج. واليوم تعود إيران إلى نغمة الحوار والتعاون وحسن الجوار، لكنها تبقى أقوالاً لا تسندها الأفعال؛ بل تنقض بعضها بعضاً. ولذا فقد اختتمت ردي على أخي المثقف الجزائري بإيضاح أنه ليس أمام دول الخليج العربي إلا الاستمرار في رص الصف، وتوحيد الكلمة، والتحالف مع الإخوة والأصدقاء؛ للتصدي للأنشطة الإيرانية التخريبية وقطع أذرعها الإرهابية والتبشيرية حيثما وجدت، مع إبقاء الباب مفتوحاً لإيران سلمية، عقلانية، تنموية، تنأى بنفسها عن التدخل في شؤون الغير، ورعاية الإرهاب، والتوسع على حساب الآخرين. (العرب القطرية) د خالد باطرفى
مشاركة :