الشارقة: محمد ولد محمد سالم حشد المخرج محمد العامري ستة من خيرة الممثلين على الساحة المسرحية الإماراتية هم: إبراهيم سالم ومحمود أبو العباس وحميد سمبيج ورائد الدالاتي وبدور وأحمد أبو عراده، وضمن بذلك أن يقدم أداء تمثيلياً رائعاً على الخشبة في مسرحية غصة عبور من تأليف تغريد الداود، وإنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني، وعرضت مساء أمس الأول في قصر الثقافة في خامسة ليالي مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الثانية. في العرض يبدو أبطال المسرحية عالقين على ذلك الجسر، الذي يجتهد حارسه في إجلاء الناس عنه، مخافة أن يحتشدوا فوقه فينهار، لأنه الجسر الوحيد للعبور بين ضفتين، وكل المعابر والطرقات تؤدي إليه، ولكل من أولئك العالقين حكايته المرة التي تجعله عاجزاً عن العبور إلى الناحية التي يتجه إليها، أو العودة إلى الجهة التي جاء منها، فالشاب الذي اندفع فجأة على الجسر محاولاً العبور، رغم تحذيرات الحارس، يقف في نهاية الجسر غير قادر أن يتقدم، لأن أمامه ناراً ستحرقه، ولن يستطيع الرجوع لأنه فارّ من جحيم من القتل والدمار كان سيمزقه، أما المرأة الحامل التي حاولت الانتحار على الجسر، فهي فارة من زوجها الإرهابي الذي أغواها حتى هربت معه وتزوجته، فلا يمكنها أن تعود إليه، وتخشى من مقابلة أهلها، كذلك الرجل المسن القادم من بلاد الغربة التي امتهنته وأكلت عمره، قد حنّ إلى وطنه، لكنه لا يستطيع أن يعبر لأنه لن يجد أحداً في انتظاره، ولن يعود إلى الوراء بعد أن خاصمه أولاده وتركوه يذهب وحيداً، أما ذلك الشاب الذي يحمل جنسية أجنبية واسماً أجنبياً، فهو عائد إلى وطنه الأصلي وحارته التي تربى فيها، ليبحث عن ذاته واسمه الحقيقي وجنسيته التي فقد معناها عندما اضطر إلى الهرب من وطنه، لكي ينجو من سياط القمع والموت، بعد أن سجن وعذب وقطعت أصابع يده التي كتب بها أعذب الأشعار لوطنه، وها هو على الجسر لا يستطيع التقدم لأن نظام القمع والموت الذي فر منه ما زال هناك ينتظره. إنها مآزق متشابهة، تجعل الجسر هو الملاذ الوحيد لكل أولئك الأشخاص، وتعطي للحارس فرصة استغلال ضعفهم وحاجتهم، فيدفع للشاب الأول مالاً ويعطيه سلاحاً لكي يعود إلى المكان الذي جاء منه، فيساهم في جحيم القتل، وعندما يعود للجسر يعود مضرجاً بالدماء، ويحاول الحارس أن يغري المرأة بالذهاب إلى مدينته حيث رجاله هناك سوف يدفعون لها المال ويفتحون لها فرصاً جديدة للحياة، ولئن كانت رصاصة الشاب التائه قد خلصتهم من ذلك الحارس الاستغلالي، فإن رجلاً أجنبياً استغلالياً سيظهر لهم من جديد، ليلعب على ضعفهم وحاجتهم، وسيظل الجسر يضطرب بهم، إنه مأزق لا مخرج منه. لا شك في أن العرض نجح في إيصال حالة المأزق التي تعيشها الشخصيات، وتأكيد وضع عربي متأزم، بإخراج فني متميز عرف به العامري، لكنّه منذ البداية كان واقعاً في مأزق درامي لا يمكنه التخلص منه، فهو يجمع بين أربع حكايات مستقلة لأربع شخصيات تنتهي كلها إلى مأزق لا يسمح بالتقدم أو التراجع، وهي حكايات واقعية، وقد فرض اجتماعها على العرض أن يسير أفقياً، ويفقدَ التصاعد العمودي المطلوب في النماذج الحكائية الدرامية، كما فرض عليه سمة السردية الباردة، فكل شخصية مضطرة إلى سرد حكايتها للحارس، لكي تفسر له المأزق الذي تعيشه، ولو أن حكايات الشخصيات كانت رمزية، لكان لذلك التعدد الحكائي مبرر، لأن الرمز قد يحتاج إلى تأكيد عبر التكرار لكي تتّضح دلالته، لكنها حكايات كلها واقعية، وكل واحدة منها تغني عن الأخريات، وكل واحدة منها قد تحتاج إلى ساعات وساعات من التمثيل لكي تتضح أعماقها وتتفتح مغاليقها، ألا تحتاج الصراعات الداخلية والحروب الطائفية إلى مسرحيات، وكذلك الإرهاب، والغربة، والدكتاتورية، لقد بدا العرض شبه متوقف بسبب تكرار حالات المأزق المتشابهة التي جعلت الشخصيات في حالة شكوى مستمرة لم تستطع أن تتجاوزها، فهي في حالة غصة دائمة. رغم ذلك المأزق الدرامي فإن المخرج نجح في معالجته بإحكامه للّعبة الإخراجية سواء على مستوى السينوغرافيا التي كانت موظفة بشكل جيد، خصوصاً ذلك الجسر الدوار الذي هيأ للمشاهد أن يرى الممثلين في عدة وضعيات، وكسر الرتابة التي تنشأ من حالة السردية، كما أسهمت الإضاءة في إعطاء أجواء الخوف والترقب والقلق فوق الجسر، وأجواء الحرب والدم والظلام من حوله، ولم تتخلف المؤثرات الصوتية عن ذلك، لكنّ البطل الفعلي في كل ذلك المشهد كان أولئك الممثلين البارعين الذين أدوا أدوارهم باحتراف عالٍ وتناغم جميل، وكان محمود أبو العباس الذي مثل الحارس الدينامو المحرك، نظراً لأن العبء الأكبر كان عليه، فقام بالدور أحسن قيام، وكان بارعاً في الجمع بين الجد والهزل، وإثارة الضحك، وقد أدت كل تلك الإيجابيات إلى جعل العرض يمر سلساً، ويتفادى الملل.
مشاركة :