الشارقة:محمد ولد محمد سالم أحدث محمد العامري تغييرات واضحة في العرض الثاني لمسرحية «غُصة عبور» التي ألفتها تغريد الداود، وأنتجتها فرقة مسرح الشارقة الوطني، وقدمت مساء أمس الأول على خشبة مسرح قصر الثقافة، في إطار مهرجان أيام الشارقة المسرحية السابعة والعشرين، وكان العرض الأول لها خلال مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي.في عرضه الجديد أضاف العامري، ولم يحذف، فأضاف شخصيات جديدة هي عبارة عن رموز تمثل ماضي الشخصيات الرئيسية في العرض، وتحركت هذه الشخصيات على خشبة المسرح بالتوازي مع لحظات بوح كل شخصية، فكانت الشخصية حين تروي مأساتها، تبرز من تحت الجسر شخصية أخرى تشبهها، وتجر الجسر أو تدفعه ليدور، وبعضها كان يصعد على الجسر ويتحرك مواجهاً شخصيته الحقيقية، ويحاول أن يقودها إلى العبور نحو الضفة الأخرى التي يوجد فيها وطنها، لكن ما الذي أحدثته هذه الإضافة على البنية الدرامية للعرض، وما هي الدلالة التي رما إليها المخرج منها.لم يغير العامري شيئاً في الحكاية، ولم تستطع تلك الإضافة أن تخرج العرض من المأزق الدرامي الذي كان واقعاً فيه، بجمعه بين أربع حكايات مستقلة لأربع شخصيات عالقة بين «هنا وهناك» على جسر يجتهد حارسه في إجلاء الناس عنه، مخافة أن يحتشدوا فيسدوا طريق العبور، ويتسببون في انهياره، لأنه الجسر الوحيد للعبور بين الضفتين، وكل المعابر والطرقات تؤدي إليه، وتنتهي حكاية كل شخصية إلى مأزق لا يسمح بالتقدم أو التراجع، وهي حكايات واقعية، وقد فرض اجتماعها على العرض أن يسير أفقياً، ويفقدَ التصاعد العمودي المطلوب في النماذج الحكائية الدرامية، كما فرض عليه سمة السردية الباردة، فكل شخصية مضطرة إلى سرد قصتها للحارس، لكي تفسر له المأزق الحالي الذي هي فيه، فالشاب الأول لا يستطيع أن يتقدم لأن أمامه حرباً وناراً مستعرة ستحرقه، ولن يستطيع الرجوع لأنه فارّ من جحيم من القتل والدمار، والشابة فارة من زوجها الإرهابي، ولا تستطيع أن تعود إلى أهلها الذين هربت منهم أول مرة عندما تزوجت الإرهابي دون موافقتهم، والرجل المسن القادم من بلاد الغربة، لا يستطيع أن يعبر إلى وطنه لأنه لن يجد أحداً في انتظاره، ولن يعود إلى بلاد الغربة التي فر منها، وقد خاصمه أولاده وتركوه يذهب وحيداً، أما الشاب الذي يحمل جنسية أجنبية واسماً أجنبياً، فقد عاد بحثاً عن ذاته ووطنه الحقيقي الذي اضطر تحت سياط القمع والتعذيب إلى الهرب منه، لكنه لا يستطيع التقدم لأن نظام القمع والموت الذي فر منه ما زال هناك ينتظره.كل واحدة من تلك الحكايات تحتاج إلى ساعات وساعات من التمثيل لكي تستبين أعماقها وتتفتح مغاليقها، ولم تكن المسرحية مضطرة لجمعها في هذه الصيغة المشتتة، ومع ذلك فقد نجح العرض في إيصال حالة المأزق التي تعيشها الشخصيات، وتأكيد وضع عربي متأزم، تمزقه الحروب، جعل الإنسان العربي عرضة للاستغلال من الأجنبي الذي يمثله كل من الحارس، ورجل الأعمال، اللذين استغلا ضعف الشخصيات، وقد أحكم المخرج اللّعبة الإخراجية سواء على مستوى السينوغرافيا التي كانت موظفة بشكل جيد، خصوصاً ذلك الجسر الدوار الذي هيأ للمشاهد أن يرى الممثلين في عدة وضعيات، وكسر الرتابة التي تنشأ من حالة السردية، كما ساهمت الإضاءة في إعطاء أجواء الخوف والترقب والقلق فوق الجسر، وأجواء الحرب والدم والظلام من حوله، ولم تتخلف المؤثرات الصوتية عن ذلك، لكنّ البطل الفعلي في كل ذلك المشهد كان أولئك الممثلين البارعين الذين هم من خيرة الممثلين على الساحة المسرحية الإماراتية، وهم: إبراهيم سالم ومحمود أبو العباس وحميد سمبيج ورائد الدلاتي وبدور وأحمد أبو عراده، الذين قدموا أداء تمثيلياً رائعاً، وبتناغم جميل، وكان محمود أبو العباس الذي مثل الحارس الدينامو المحرك، نظراً لأن العبء الأكبر كان عليه، فقام بالدور أحسن قيام، وكان بارعاً في الجمع بين الجد والهزل، وإثارة الضحك، وقد أدت كل تلك الإيجابيات إلى جعل العرض يمر سلساً، ويتفادى الملل.أما إضافة الشخوص التي ترمز إلى ماضي الشخصيات الأربع، فلا يبدو أنه أضاف شيئاً جديداً، إلى العرض، لا على المستوى السينوغرافي، ولا على المستوى الدرامي، وربما أراد به المخرج أن يكسر رتابة السرد عندما تحكي الشخصية حكايتها فأحدث لها ذلك الخيال المتحرك الذي يرمز لماضيها، لكن انشغال تلك الشخوص الخيالية بدفع الجسر لكي يدور، أفقد تلك الرمزية معناها، وجعلها مجرد أدوات ظاهرة لتحريك الجسر، أثقلت الجو، وشتتتْ ذهن المتفرج، فكان ينبغي أن تبقى في الخفاء تحرك الجسر، كما كانت في العرض الأول، إن كان لتحريك الجسر ضرورة أصلاً.
مشاركة :