بتصفيق جماهيري حاد، وحضور حاشد، اختتم العرض الإماراتي «غصة عبور»، عروض الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي، الذي استضافت فعالياته العاصمة التونسية، قبل أن يبدأ الاستعداد لدورة جديدة تقام العام المقبل في القاهرة. وواكب «غصة عبور»، عرض تونسي آخر هو «ثلاثين وأنا حاير فيك» للمخرج التونسي توفيق الجبالي. وحظي العمل، الذي أخرجه محمد العامري، وكتبت نصه تغريد الداوود، باهتمام إعلامي ملحوظ، حتى في الساعات التي سبقت عرضه، ليتحوّل في ما بعد إلى مادة نقدية مثيرة للتأويلات المفتوحة الفنية والجمالية في الندوة التطبيقية التالية للعرض. تجربة إماراتية عربية ردّ الفنان أحمد الجسمي، على سؤال طرحته إحدى ممثلي وسائل الإعلام التونسية، تندهش فيه عن اختيار هذا النص، الذي يحمل هموماً عربياً وليست إماراتية. وقال الجسمي في سياق ردّه: «إن المسرح الإماراتي منفتح على كل القضايا العربية، كما هو منفتح على المسرحيين العرب، الذين شاركوا بشكل أصيل ومبدع في نسيج التجربة الإماراتية». وتابع الجسمي: «أرى التطرّق إلى قضايا عربية أو حتى إنسانية، ضرورة مسرحية للمسرح المحلي، فهناك كثير من الظواهر والملامح لا تبدو أكثر إحاطة وقدرة على الرصد، إلا من خلال هذه العين الاستيعابية التي قد تكون بعيدة مكانياً، لكنها قادرة على تقديم صورة شمولية». وأضاف: «لا أرى أي تمايز في المسرح بين مشرق ومغرب، والمسرح الخليجي، بما فيه الإماراتي، نفهمه باعتباره مسرحاً عربياً لا تتناقض خصوصيته مع سمات نعتز بها تجمعه بإطار أشمل ينتمي إليه عنوانه المسرح العربي». ونجح العامري، رغم ضيق الوقت الذي اتيح له للاستعداد للعرض قبل السفر إلى تونس، وما صادفه من اضطراره إلى استبدال ممثل رئيس بآخر، ليحل الفنان عبدالله مسعود، بدلاً من الفنان محمود أبوالعباس، في الاستفادة من تجربة عرض العمل في «أيام الشارقة المسرحية»، التي توّج فيها بجائزة العرض المتكامل، والعديد من الجوائز الأخرى، بما فيها جائزة أفضل إخراج. وانعكست حالة الدعم النفسي التي أحيط بها عبدالله مسعود خصوصاً، على أدائه الثابت طوال العرض، لاسيما مع إسناد دور محوري متشابك مع كل شخصيات العمل له. يدور المحتوى الدرامي للعرض حول عالقين على جسر للعبور يتحكم به بشكل ديكتاتوري رجل أمن مزاجي وغريب الأطوار، وهو الدور الذي يجسّده مسعود، في حين توجد قصة لكل عالق وطموح مختلف تماماً عن الآخر، فهم قادمون من أماكن متباينة، وذوي أفكار شديدة التباين، لا تجمعهم سوى أنهم جميعاً ضحايا تلك القوة التي تمنعهم من الوصول إلى الضفة الأخرى، واستئناف العبور إلى أوطانهم، على الرغم من تباين الصورة الذهنية لأوطانهم، سواء بين الشخصيات المختلفة، أو بين تلك الصورة والواقع الذي يصدمون به بعضهم بعضاً، حينما تبدأ بينهم علاقات إنسانية. وكعادته وجّه العامري عناية كبيرة لتفاصيل السينوغرافيا، وبدا هذا الجسر الذي تموضع في المساحة الأمامية للمسرح مقنعاً للغاية، في حين استعان في الخلفية بشاشة كبيرة تنسدل عليها تحركات العابرين المأساوية، في حين انسجمت الأزياء مع الأدوار، لاسيما أنها حملت تبايناً كبيراً في الخلفيات الثقافية، لتبقى رحلة العودة إلى الوطن، أي وطن، محفوفة بمطبات ليست فقط مرتبطة بمشكلات العودة، وإنما أيضاً بصورة هذا الوطن، التي قد لا تكون متطابقة بين زمنين: (زمن الخروج وزمن العودة)، ويبقى السؤال الأهم: «كيف أمسى الوطن؟ وكيف أمسى ساكنوه؟ وهل سيتقبلون أولائك القادمون من «هناك»؟ وهو المكان المفتوح الذي كان يستخدمه العابرون في نقطة التفتيش الأمنى، التي لا يوجد فيها سوى رجل واحد يتحكم في كل شيء. مثلت الإحالات المقصودة العديد من الرسائل في عرض «غصة عبور»، فرجل الأمن في النهاية هو أداة لقوى أخرى نجده يتواصل معها لتأتيه الأوامر من بعيد بلغات عالمية متعددة، وهو يستقبلها بسذاجة وضحكة وإخلاص في التنفيذ، ليكون بمثابة أداة طيعة في أيديهم غليظة على العابرين. وجاء أداء الممثلين مسهماً في حالة التعايش والإنصات، الذي ساد خشبة المسرح البلدي في تونس، حيث ضمت أسرة العمل كلاً من: إبراهيم سالم وعبدالله مسعود وحميد سمبيج ورائد الدالاتي وبدور وأحمد أبوعرادة.
مشاركة :