أحيانا كثيرة نحن لا نحب شخصا لأجله، بل لأجل ما يمثله أو يرمز إليه بالنسبة إلينا، أو إلى محيطه. في هذه الحالة يمر الحب بذلك الظل الشاهد قبل أن يلمس الطرفين. العربلمياء المقدم [نُشرفي2017/02/16، العدد: 10545، ص(21)] لسبب أو لآخر لا أفهم الحب على أنه ذلك الرابط القوي أو الشعور الخفاق الذي يربط بين شخصين. هذان الشخصان، في اعتقادي، هما آخر من يلمسهما الحب وهو يعبر منهما وإليهما. قبل ذلك يمر الحب بتفاصيل وأشياء وأشخاص وأزمنة وأمكنة ومتعلقات كثيرة تخص هذين الطرفين. علاقة الحبيب بحبيبه ليست علاقة أفقية مباشرة، لكنها شبكة من الروابط والعلاقات الداخلية الشائكة التي تتصل ببعضها. يشبه الأمر الخلية التي تجمع عدة ذرات. هكذا الحب، خلية شعورية تربط بين ذرات متفاوتة الأهمية لكنها ضرورية جلها من أجل أن تكتمل الدائرة وتأخذ شكل المحبة. يقول العاشق لمعشوقه “أتمنى لو أطير بك إلى جزيرة نائية حيث لا أحد سوانا”. من حسن الحظ أن هذه الأحلام لا تتحقق، وهي تعبير عن رغبة في الانفراد والعزلة النابعين من ثقافة تمارس رقابة وضغطا على العشاق وتمنعهما من التواصل. لو حصل هذا الأمر فعلا لانتهى الحب في يومين، ذلك أن الحب ليس علاقة بين شخصين معزولين عما سواهما، بل بين أطراف وعناصر متعددة. أحيانا كثيرة نحن لا نحب شخصا لأجله، بل لأجل ما يمثله أو يرمز إليه بالنسبة إلينا، أو إلى محيطه. في هذه الحالة يمر الحب بذلك الظل الشاهد قبل أن يلمس الطرفين. أحيانا نحب شخصا لأنه يشبه من تركنا، أو من تركناه، في هذه الحالة يمر الحب بذلك الغائب الحاضر الذي تطغى ملامحه على الحبيب، أحيانا نحب شخصا لأنه يشبهنا، أو يذكرنا بأنفسنا، فيمر الحب بنا، فبه، قبل أن يعود إلينا. وهكذا هي علاقات الحب دائما، متشابكة متحركة. مكونات الحب ضرورية، إذا سقط منها مكون تداعت له الخلية بأكملها، وتصدعت وتآكلت تدريجيا إلى أن تنتهي، لهذا السبب لا يجب أن ننظر إلى علاقة الحب على أنها علاقة بديهية. من أراد أن يحافظ على حبه سليما معافى وجب عليه أن يراعي أقل العناصر أهمية في هذه العلاقة وأبعدها مسافة عن قلب الخلية. ربما نحن في حاجة إلى رسم خارطة للحب، تحدد الروابط والأبعاد وتراعي حركة الدوران والثبات. أو لنقل مدينة للحب، سكانها من ذرات المحبة التي تنتشر في كل علاقة حب، تحلق في سمائها وتشد أطرافها. ونحن ننظر إلى هذه الخارطة المعقدة نفهم ربما لماذا نرتبط بشخص دون غيره، لماذا نحب؟ وما الذي يحدث عندما نحب؟ أكتب هذا المقال في عيد الحب، لأقول إنني فهمت بعد سنوات من علاقتي بالرجل الذي أحب، أنني لا أحبه لذاته وصفاته، أو لما هو عليه، وإنما تجاوزته إلى ما هو أبعد وأعمق وأشمل منه، لأن الإلمام بهذه الخارطة وجوانبها يمنحنا رؤية أوسع لمن نحب، يمنحنا أجنحة لنحلق فوقه وحوله، فنراه من كل الزوايا، ويمنحنا القدرة على الخروج من قلب المحبة الداكن المغلق، إلى ذراتها الضوئية الشفافة المتحركة التي تجول في هذا القلب وتشكل أجزاءه. خارطة الحب هي التي ترشدك إذا تهت عمن تحب، وتعيدك إليك، وهي التي تسمح لك بالابتعاد والاقتراب والتماس معه، وهي التي تحدد اتجاهاتك منه ودورانك حوله، وهي التي تساعدك على أن تتذكر جزيئاته المهمة عندما يطالها النسيان. الذي أحببته وأحبك ليس شخصا معزولا مسقطا من الفضاء. تذكر روابطه، علاقاته، اهتماماته، زمنه ومكانه، أحبته وأعداءه، تذكر ما يملأ قلبه، ما يملأ خياله، طفولته وأحلامه، تذكر دائما تلك الخارطة التي يوجد في وسطها ومن حوله ذراته مشدودة إليه، وستجده دائما في انتظارك. كاتبة من تونس مقيمة بهولندا لمياء المقدم
مشاركة :