إذا كانت أسواق الأوراق المالية تشترك فيما بينها بوظيفة القناة التي يتم من خلالها تعبئة المدخرات المالية وتوفير السيولة للمستثمرين، مع الرقابة على أداء الشركات وجذب المستثمرين، فإن سوق أبوظبي للأوراق المالية يحظى بميزة وخصوصية أنه جزء من منظومة تنموية شديدة الوضوح، هي رؤية أبوظبي 2030. في هذه المنظومة، تتكامل الوظائف والأدوات على قاعدة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، في دولة أدرجت في عقدها الاجتماعي التزامات مقنّنة بأن تجعل اقتصادها يتحرك على روافع المعرفة والابتكار والخير. هي ميزة بالتأكيد أعطت لسوق أبوظبي للأوراق المالية من الموارد والمحفزات وبيئة العمل وثقافة الابتكار التنافسي، ما جعله يرتاد الأسواق الإقليمية في الاندراج الدولي مع الأسواق الناشئة، وفي الثقة وجاذبية استقطاب الاستثمارات الداخلية منها والخارجية، لكنها وبقدر ما هي ميزة، مثلما هي تحدّ موصول، محكوم لمعايير رقمية تلتزم بها «رؤية أبوظبي» التنموية، ويلتزم بها سوقها للأوراق المالية، في أجندة مفتوحة للمقارنة. خلال العام الماضي، وضمن جهود الترويج واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، كان لسوق أبوظبي للأوراق المالية ندوتان حواريتان في الولايات المتحدة والصين، عززتا قناعتنا بأن أرقامنا في الأداء التراكمي على مدار السنوات الست عشرة الماضية، تؤهّلنا لمزيد من الجسارة الواثقة في ملاقاة الاستثمارات الدولية الباحثة عن بيئة مستقرة ومردودات مجزية وتشكل ملاذاً آمناً في مراحل الاضطراب الدولي. سوق أبوظبي في التزامه بقوانين وضوابط هيئة الأسواق المالية والسلع، إنما يستهدف تعميق الثقة وتعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية وطمأنة المستثمرين، محليين وأجانب، وحماية حقوقهم. وفي السنوات الماضية، وبموجب استراتيجية متعددة المراحل بشكل محكم، استطاع سوق أبوظبي للأوراق المالية أن يستكمل بنيته الأساسية، ويحقق الريادة الإقليمية في الخدمة الرقمية، لينهض بوظيفته كشريك متقدم في توظيف قوة الاقتصاد الوطني وما يتسم به من التزام بخصائص المبادرة والمبادأة الفردية والجماعية. صحيح أن أرقام سوق أبوظبي المعروفة والمعلنة في صافي الاستثمار الأجنبي، وعدد المؤسسات الاستثمارية التي تعمل في السوق، ومعدلات النمو في الاستثمار المؤسسي وفي أحجام وقيم التداول، هي أرقام تحكي قصة النجاح بخطوط بيانية، إلا أنها في ذات الوقت ترفع من درجة التحدي، وبالذات في دولة، بها للسعادة حقائب وبرامج حكومية، وللخير فيها رسالة قيادية ملزمة وملهمة للجميع مؤسسات وأفراداً. في إطار شراكة السوق المالي بتنفيذ أهداف رؤية أبوظبي التنموية، كانت له خلال العام الماضي حزمة من الابتكارات على طريق الرقمية الكاملة وثقافة المعرفة التي أضحت اللغة الوحيدة المقبولة والمعتمدة من طرف المؤسسات الدولية وصناديق الاستثمار. وخلال العام الحالي نخطط في السوق لتوفير خدمة البيع بالمكشوف، وذلك انطلاقاً من حرصنا على استمرار الريادة إقليمياً في مثل هذا التنوع بالخدمات الرامية لتعميق السيولة والحد من المضاربة والإسهام الحقيقي في توظيف المدخرات لخدمة التنمية المستدامة. ويحدونا في ذلك رهان على أن المحافظ والصناديق الاستثمارية، مقبلة على زيادة في أنشطة التداول في ظل انخفاض مكرر ربحية معظم الشركات المدرجة وارتفاع العوائد التي توزعها الشركات على المساهمين. وبقدر ما سننجح في سرعة إدراج السندات والصكوك في سوق الأوراق المالية وتوظيف خدمات جديدة مبتكرة في اقتصاد المعرفة، سنستشعر أن القطاع المالي يحقق وظيفته المفترضة في تعزيز كفاءة الاقتصاد وتأهيله فعلاً لمرحلة ما بعد النفط.
مشاركة :