ولدت في قرية من قرى دلتا النيل، صحبها والدها في الحفلات الدينية، كان أول أجر لها هو ٢٥ قرشا، عام ١٩٢٣، في زمن الملك فؤاد، انتقلت إلى القاهرة فتاة ريفية صغيرة لا تفقه في السياسة ولا بتعقيدات حياة المدن، كان وصولها إلى القاهرة قد تزامن مع وفاة سيد درويش، حزنت عليه كثيرا، ولكنها بالنسبة إليه لم تكن شيئا بجانب من اختلطن به، مثل منيرة المهدية وفتحية أحمد وعقيلة راتب. بدأت مشوارها الفني من دون ابتذال، حيث كانت معظم أغانيها صوفية، وحين غنت «وحقك أنت المنى والطلب» أحست القاهرة أنها تستيقظ على صوت يهزها هزاً. وحين تعرفت على أحمد رامي انطلقت مع كلماته الرائعة، ولو لم يكن بعضها شعراً خالصاً أو كلمات فصحى، مثل «من كتر شوقي سبقت عمري وشفت بكرة والوقت بدري وايه يفيد الزمن مع اللي عاش في الخيال» لحن لها أحمد صبري والقصبجي وأحمد زكريا وعبدالوهاب وبليغ حمدي وأصبحت لها فرقة تضم معظم العازفين المرموقين، تضم كل القاهرة ومصر، بل والعالم العربي. لم تستطع أي مطربة أن تجاريها، فقد كانت تغني لساعات وكأنها السحر للمستمعين، حضرت شخصياً بعض حفلاتها ولَم أستطع أن أواصل الحضور لانشغالي بالدراسة، غنت أم كلثوم لرامي الكثير من شعره، رباعيات الخيام، أفرح يا قلبي، يا ظالمني، هجرتك، حيرت قلبي معاك وغيرها. حين شاء الله أن يتوفاها أعلن مذيع الشرق الأوسط وهو يجهش بالبكاء هذه الأخبار وامتلأت شوارع القاهرة بالمعزين، وخيّم السكون على أرجاء بلد المعز، رثاها الكثيرون، ولكن أكثر الناس تأثراً كان أحمد رامي، لقد أحبها حباً عظيماً، ولَم تفته حفلة من حفلاتها، لذلك رثاها بقصيدة معبّرة: ما جال بخاطري أني سأرثيها بعد الذي صُغت من أحلى أغانيها قد كنت أسمعها تشدو فتطربني واليوم أسمعني أبكي وأبكيها يا درة الفن يا أبهى لآليها سبحان ربي بديع الكون باريها مهما أراد بياني أن يصورها لا يستطيع لها وصفاً وتشبيها صحِبتها من ضحى عمري وعشت لها أصوغ شهد المعاني ثم أهديها لقد تعرف عليها وعمره ٣٠ سنة، وهذا هو ضحى العمر، فأي تصوير رائع لهذا الشاعر الفذ، إلى نهاية القصيدة. توفي بعدها بخمس سنوات، رحم الله أم كلثوم والشاعر أحمد رامي. د. صلاح العتيقي
مشاركة :