لم تستبعد زينب حميد أن يتدخل أهلها في اختيار الكلية التي تدخلها، لكن ما لم تتوقعه هو أن يطلبوا منها دخول كلية التمريض التي لم تكن لتفكر فيها مطلقاً. عائلة زينب سبق أن طالبتها بدخول إعدادية التمريض بعد إنهائها المرحلة المتوسطة، لكنها رفضت الأمر آنذاك، وقررت أن تدخل الفرع العلمي أملاً بالحصول على معدل جيد يؤهلها لدخول «جامعة جيدة». لكن الأهل عادوا وكرروا طلبهم مجدداً بعدما حصلت على معدل لا يؤهلها لدخول كلية الطب أو الهندسة في العام الماضي، لكنها رفضت وبعناد شديد هذه المرة. تقول زينب: «لن أجازف وأمتهن مهنة كهذه يرفضها المجتمع الذي أعيش فيه. فوظيفة الممرضة ومنذ عقود هي وظيفة غير مرغوب فيها للفتيات وغالباً ما تتهم الممرضات بسلوكيات غير جيدة حتى وإن كنّ بعيدات عنها، ولذلك لن أضحي بسمعتي من أجل الحصول على وظيفة سريعة». الوظيفة التي تحدثت عنها زينب هي بالفعل سريعة، فخريجو كليات التمريض في العراق هم أسرع من يحصلون على وظائف على رغم أزمة التوظيف ووجود البطالة بين الخريجين، وعلى رغم تخريج الجامعات عشرات الآلاف منهم في السنوات الماضية إلا أن المستشفيات العراقية ما زالت تعاني من أزمة النقص في الكوادر الطبية وكوادر التمريض في شكل خاص. زينب تصر على احترام الصورة النمطية التي رسمها المجتمع للفتاة التي تعمل في سلك التمريض وتقول: «عائلتي تنظر إلى الموضوع من زاويتين، الأولى أن مهنة التمريض هي مهنة إنسانية والثاني هي أنني سأحصل على وظيفة حكومية بمجرد التخرج، فضلاً عن إمكان عملي في العيادات الخاصة المسائية للأطباء وهو ما تفعله معظم الممرضات، أما أنا فلن أفكر في الوظيفة هذه طالما كانت مرفوضة من المجتمع علماً إن شقيقي يتهمني بالجبن بسبب ذلك». خوف زينب كان موجوداً من قبل إذ رافق العاملات في المهنة منذ عقود. وقبل أكثر من عشرين عاماً اتخذت السلطات قراراً يهدف إلى إيقاف الترويج السلبي لعمل الفتيات في سلك التمريض. ونص القرار على أن تعمل كل فتاة تتخرج في أي جامعة أو كلية أو معهد ممرضة لمدة عام كامل قبل أن تعين في اختصاصها الذي درسته، وكان الهدف الرئيس من ذلك إجبار المجتمع على تقبل وظيفة التمريض للنساء لأن جميع الخريجات سيعملن في الوظيفة ذاتها وبالتالي تتساوى الممرضات مع بنات العائلات اللواتي يرفضن المهنة. وفي ذلك الوقت، أنكرت كثيرات أنهن عملن ممرضات في المستشفيات خوفاً على سمعتهن وقلن أنه تم استثنائهن من القرار، لكن الحقيقة هي أن القرار لا استثناء فيه إلا من ترفض الوظيفة جملة وتفصيلاً بعد التخرج بسبب رفض عائلتها تنفيذ شرط التوظيف في التمريض قبل التعيين الرسمي في الاختصاص. بعد سنوات لاحقة بدأت كليات التمريض تستقطب النساء والشباب بشكل طبيعــي مثلما استقطبت إعداديات التمريض المراهقين الراغبين في الحصول على وظائف سريعة، لكن في العاميــن الماضيين تم إغـــلاق إعداديــات التمريض الخاصة بالفتيان والإبقاء على الإعداديات الخـــاصة بالفتيات وهذا يعني محاولة تشجـــيــع الإنـــاث على الانخـراط في هذه المهنة، لا سيما بعد تناقــص أعـداد العاملات في هذا المجال والحاجة الملحة لهن. ويقول لؤي عماد وهو ممرض خمسيني يعمل في مستشفى حكومي في بغداد، إن الكادر الطبي في شكل عام يحتاج لدماء جديدة وأعداد كبيرة من الممرضين والممرضات. فبسبب النقص تعمل معظم الكوادر الطبية بدوامين الأول صباحي في المستشفيات الحكومية والثاني مسائي في العيادات والمستشفيات الأهلية. ويضيف: «ما زالت بعض العائلات تنظر إلى وظيفة التمريض بمنظور قاصر، لكن المشكلة الأكبر هي أن بعض الفتيات يستسلمن للتقاليد الاجتماعية أو لتلك النظرة الخاصة فيمتنعن عن دخول كليات التمريض خوفاً من التعرض للانتقاد، فيما بدأت العائلات نفسها تتجاوزه أحياناً». ويزيد: «يحتاج الأمر فقط لبعض الإصرار من الفتيات لإكمال الطريق من دون التفكير في سلبيات غير مجدية، لا سيما أن النساء اثبتن جدارة بالفعل في هذا المجال».
مشاركة :