الفيلم المجري “عن الجسد والروح” للمخرجة إديكو إنيادي، بجائزة “الدب الذهبي” لأحسن فيلم، واستندت اللجنة في منحه الجائزة بناء على طرحه لمعالجة رائعة، مشبعة بروح المرح، لموضوع مبتكر يدور حول صعوبة التواصل بين رجل وامرأة يعملان في مسلخ للحيوانات التي يتم تقطيع لحمها وبيعها لمحلات الجزارة. ورغم طبيعة العمل الجافة والمليئة بالدماء والذبح والسلخ، إلا أن الفيلم يعالج موضوع الحب من خلال الأحلام المنفصلة التي يحلمها كل من الرجل والمرأة، وفيها يجدان نفسيهما معا كغزال وغزالة، يهيمان معا في الغابة، ويتشاركان المغامرة البريئة، حيث يتحرران تماما من قيود الحياة وينطلقان بحثا عن المشترك في ما بينهما. أما هذه الأحلام المتكررة فتأتي دون ترتيب ولا اتفاق، بل على نحو تلقائي منفرد. الطابع التقليدي المحافظ هيمن على أفلام المسابقة بشكل عام، والتي خلت من المغامرة السينمائية أو "الاكتشاف» الجديد والمبهر فمعظم الأفلام جاءت ضعيفة أو متوسطة المستوى وغابت عنها بوضوح التحفة السينمائية وينتقل الفيلم من الواقعية الخشنة إلى الرومانسية الناعمة مع بعض اللمحات الكوميدية، والفيلم يتمتع دون شك بحساسية فنية وشعرية عالية خاصة في طريقة التصوير وأسلوب السرد. وتوج الفيلم الفرنسي “فليسيتيه” للمخرج السنغالي الأصل آلان غوميه بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم “الدب الفضي”، وهو الفيلم الذي يصور حياة مغنية وراقصة شعبية في إحدى حانات كنشاسا عاصمة الكونغو، وصمودها رغم معاناتها وسط مجتمع ذكوري، حيث تكافح من أجل إنقاذ حياة ابنها الذي أصيب في حادث، ويصور الفيلم مختلف تفاصيل المرأة في بحثها عن مساعدات مالية فيما يرفض أقرب الناس إليها مد يد العون لها، مثل شقيقها وشقيقتها وغيرهما ممن تنكروا لها بسبب طبيعة العمل الذي تمارسه. بدا الفيلم، على الأقل في النصف الأول منه، تصويرا بارعا لمعاناة المرأة التي يتخذ السيناريو من محنتها الشخصية مدخلا للكشف عن المشاكل المزمنة في الكونغو، وإن كان إيقاع هذا العمل يهبط في نصفه الثاني، ويبتعد قليلا عن موضوعه الأساسي ليستغرق في مشاهد أقرب إلى التسجيلية، للحياة في شوارع كنشاسا، ومظاهر التدهور الاجتماعي المنتشرة بين أحيائها. كما حصل فيلم “مقتفية الأثر” البولندي للمخرجة أنييسكا هولاند على جائزة الدب الفضي (أو جائزة ألفريد باور) وهي جائزة مخصصة للفيلم الذي يفتح آفاقا جديدة في التعبير السينمائي، وهو فيلم آخر عن علاقة الإنسان بعالم الحيوان، وكيف تسعى سيدة مسنة تقطن بالقرب من غابة يمارس فيها الصيادون الاعتداء على الحيوانات وقتلها، مع تغاضي السلطات عن تلك التجاوزات بسبب فساد النظام، إلى وقف تلك المذبحة الممتدة التي ترى أنها يمكن أن تجلب الشقاء إلى الإنسان عندما تتجه الحيوانات للانتقام الجماعي، لذلك فهي تتجه بدورها لمخالفة القانون من أجل وقف الجرائم التي تتعرض لها الحيوانات. ونشير هنا إلى أن ألفريد باور الذي يطلق اسمه على هذه الجائزة كان محاميا ومؤرخا سينمائيا، وهو مؤسس مهرجان برلين، ومديره في الفترة من 1951 إلى 1975، وقد لعب دورا بارزا في الترويج للسينما الجديدة في ألمانيا، إلى أن توفي عام 1986 عن عمر 75 عاما. الفيلم الذي ظلم جائزة الدب الفضي لأحسن إخراج ذهبت، كما توقعنا، للمخرج الفنلندي أكي كوريسماكي صاحب فيلم “الجانب الآخر من الأمل” الذي سبق أن قدمنا تحليلا له على صفحات “العرب”، وهو من أفضل ثلاثة أفلام في المسابقة، إلى جانب فيلم “امرأة رائعة” للمخرج سباستيان ليليو من شيلي، وفيلم “عن الجسد والروح” المجري.ولعل أكثر الأفلام التي ظلمت بنتائج لجنة التحكيم الفيلم الشيلي “امرأة رائعة”، الذي يعد العمل الأكثر اكتمالا من بدايته إلى نهايته رغم تقليديته في السرد، وقد رشحه معظم النقاد لنيل جائزة الدب الذهبي، إلا أن لجنة التحكيم لم تمنحه سوى جائزة أفضل سيناريو الذي اشترك في كتابته مخرجه ليليو مع الكاتب غونزالو ميزا. المخرجة إديكو إنيادي تتوج بجائزة "الدب الذهبي» عن فيلمها "عن الجسد والروح» وبوجه عام جاءت أفلام المسابقة هذا العام تقليدية تتبنى النمط الكلاسيكي في البناء، ومعظمها ينتمي إلى الدراما الاجتماعية بشكل أو بآخر، مع فيلمين من أفلام الإثارة البوليسية والجريمة هما الفيلم التايواني- الياباني المشترك “السيد لونغ”، وفيلم الرسوم الصيني “يوما سعيدا”. أفضل الممثلين جائزة أفضل ممثلة حصلت عليها الممثلة الكورية كيم مينهي عن دورها في الفيلم الكوري “وحيدة على الشاطئ ليلا” للمخرج هونغ سانغسو، الذي يصور موضوعا يعتمد على التلقائية في الأداء، وعلى الارتجال، والمزج بين الحياة الخاصة للممثلة والشخصية التي تقوم بأدائها، وهو يمتلئ بالحوارات الطويلة، والمشاهد التي تدور داخل ديكور واحد دون انتقال أو تنويع في الزوايا، مع الكثير من لقطات الكلوز أب (القريبة) لوجه الممثلة التي تتميز بجمال خاص مما يجعل جميع المشاركين معها من الممثلات والممثلين، منبهرين بجمالها بل ويصل الإعجاب بينها وبين ممثلة أخرى (داخل الفيلم) إلى علاقة حميمية تتجه نحو الإيروتيكية، ولكن دون اكتمال. وقد نافست على جائزة أحسن ممثلة الرومانية ديانا كافاليوتي بطلة فيلم “أنا.. حبيبتي” للمخرج الروماني كالين بيتر نيتزر. وقد فاز هذا الفيلم الذي يعالج موضوعا يرتبط بالتحليل النفسي، بجائزة الأسد الفضي لأحسن إنجاز فني من ناحية المونتاج الذي قامت به دانا بونيسكو. فيلم "عن الجسد والروح" معالجة عميقة مشبعة بروح مرحة لعلاقة رجل وامرأة يعملان مع بعض في مسلخ للحيوانات أما جائزة أفضل ممثل فقد ذهبت إلى جورج فريدريش عن دوره في الفيلم الألماني- النرويجي المشترك “ليال متألقة” للمخرج توماس أرسلان، وفيه يؤدي فريدريش دور أب يسافر مع ابنه المراهق الغائب عنه منذ سنوات، لحضور جنازة جده الذي توفي مؤخرا في شمال النرويج، وخلال الطريق يتشاحن الأب والابن، ويتشاجران، وتنفجر المشاعر بينهما، ويبوح الأب بأخطائه وخطاياه، ويعترف بتقصيره، إلى أن يتحقق لهما الاقتراب للمرة الأولى من بعضهما البعض، وينجح الأب أخيرا في استعادة ولده منذ انفصاله قبل سنوات، عن والدته. أفلام ضعيفة نلفت إلى أن الفيلم المجري الفائز بالدب الذهبي حصل أيضا على جائزة أحسن فيلم، التي تمنحها لجنة تحكيم تمثل الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية “الفيبريسي”. هكذا أسدل الستار على مسابقة محبطة عانت من قلة الأفلام الملفتة، بل جاءت في معظمها أفلاما ضعيفة أو متوسطة المستوى، وغابت عنها بوضوح التحفة السينمائية التي عادة ما يتفق الجميع حول قيمتها الفنية. ولعل محاولة مدير المهرجان ديتر كوسليك، التوفيق بين عدد من المشاركات الأوروبية والآسيوية تحديدا، وإغواء الحصول على الأفلام الجديدة لعدد من مشاهير السينمائيين مثل المخرجة البولندية المخضرمة صاحبة فيلم “مقتفية الأثر”، والمخرج الألماني فولكر شلوندورف والمخرجة البريطانية سالي بوتر، والمخرج الكوري هونغ سانغسو، لعبت دورا في هيمنة الطابع التقليدي المحافظ على أفلام المسابقة بشكل عام، وخلوها من “المغامرة” السينمائية أو “الاكتشاف” الجديد المبهر الذي يبقى في الذاكرة. ناقد سينمائي من مصر
مشاركة :