جزيرة الكلاب يفتتح مهرجان برلين السينمائي بقلم: أمير العمري

  • 2/16/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

جزيرة الكلاب يفتتح مهرجان برلين السينمائيللمرة الأولى يفتتح مهرجان برلين السينمائي بفيلم من أفلام التحريك المعروفة سابقا بـ”الرسوم المتحركة”، بعد أن تطوّرت ولم تعد تقتصر فقط على الرسوم السطحية، إذ أصبحت بالتالي تشمل الدمى والمجسمات، وقفزت قفزة فنية كبيرة أخرى بفضل برامج الكمبيوتر التي تتيح للفنان إنتاج صور أكثر براعة وعمقا في محتواها البصري.العرب أمير العمري [نُشر في 2018/02/16، العدد: 10902، ص(16)]جرعة هائلة من الصور المتخيلة افتتح فيلم “جزيرة الكلاب” للمخرج الأميركي ويس أندرسون مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ68 مساء الخميس، وهو فيلمه الرابع الذي يشارك في مسابقة مهرجان برلين، وكان آخر هذه الأفلام “فندق بودابست” الذي عرض أيضا في الافتتاح قبل أربع سنوات. وقد اشترك في كتابة الفيلم الجديد “جزيرة الكلاب” ثلاثة من كتاب السيناريو الأميركيين، انضم إليهم كاتب ياباني لضبط كل ما يتعلق بالثقافة اليابانية في الفيلم. جزيرة القمامة اختار ويس أندرسون أن تدور أحداث الفيلم في اليابان فجاء على نحو ما أيضا، فيلما “يابانيا”، إن جاز التعبير، فهو يدور حول شخصيات يابانية تتحدث بلغتها الأصلية ومن دون ترجمة إلاّ فيما ندر، ولكن أندرسون لا يحاكي فيه ما يعرف بأفلام التحريك اليابانية من نوع “المانغا” أو “الأنيم”، بل يعتمد أسلوبا خاصا يحاكي العالم الواقعي، ولكن مع جرعة كبيرة هائلة من الصور المتخيلة، خاصة وأن أحداث الفيلم تدور في المستقبل، ويمكن لها أن تحدث في أي مجتمع من المجتمعات التي تمتلك زمام التنكولوجيا.مشكلة الفيلم تكمن في تفرع القصة إلى قصص فرعية كثيرة، وبذلك عانى من الترهل وهبوط الإيقاع وتفكك المحتوى ويقول ويس أندرسون إنه تأثر كثيرا بأفلام المخرج الياباني الشهير الراحل أكيرا كوروساو والمخرج هاياو ميازاكي بوجه خاص، كما أعجب كثيرا بأسلوب الأخير في خلق مساحات للصمت، والنقاط التي يمكنه أن يدخل فيها الموسيقى. وقد اتفق مع مؤلف موسيقى الفيلم، وهو الموسيقار الفرنسي المعروف ألكسندر ديسبلات على اتباع أسلوب مختلف في الموسيقى المصاحبة للفيلم، يختلف عن المعتاد عادة في أفلام التحريك الأميركية، بحيث يتيح مساحة جيدة للصمت، لكن رغم ذلك جاء الفيلم مليئا بالحوار الذي لا يكاد يتوقف تقريبا، وخاصة أن المخرج استعان هنا بعدد كبير من نجوم التمثيل لأداء الأدوار الرئيسية بأصواتهم، وهي أدوار الكلاب الخمسة، وهي الأبطال الحقيقية للفيلم. فلدينا على سبيل المثال أصوات الممثلات والممثلين: تيلدا سوينتون وإدوارد نورتون وسكارليت جوهانسون وبوب بالابان وبيل موراي وجيف غالوبلوم وغريتا غرويج وبريان كرانستون. ولا شك أن أندرسون أيضا كان من المعجبين بأفلام المخرج الياباني مازاكي كوباياشي، فهو يطلق اسمه على شخصية رئيسية من شخصيات الفيلم، وإن كانت شخصية الحاكم المستبد الشرير كوباياشي، الذي يقرّر نفي جميع الكلاب في اليابان إلى “جزيرة القمامة” بدعوى أنهم يحملون فيروسا قاتلا ينقلونه إلى البشر، ثم يصدر قرارا لاحقا بتدمير الجزيرة وإبادة الكلاب. من هنا تبدأ أحداث الفيلم التي تتركّز حول خمسة من هذه الكلاب تحاول الهرب من هذا المصير التعيس، ينضم إليها صبي ياباني يبحث عن كلبه الذي تم نفيه إلى الجزيرة أيضا، ويخوض الجميع مغامرة محفوفة بالمخاطر تتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والقدرة على مواجهة ما يدفع به كوباياشي من مقاتلين يبحثون عن الصبي الهارب لإنقاذه قبل تدمير الجزيرة. هؤلاء المقاتلون عبارة عن أدوات قتل مصفحة على هيئة إنسان آلي، أي روبوت يتعيّن على الكلاب استخدام الحيلة والدهاء والقدرة على الهرب في الوقت المناسب، التصدي له وتدميره رغم ما يستخدم في تسييره من تكنولوجيا متقدمة. أربعة أجزاءويس أندرسون لا يحاكي ما يعرف بأفلام التحريك اليابانية من نوع "المانغا" أو "الأنيم"، بل يعتمد أسلوبا خاصا يحاكي العالم الواقعي يقسم ويس أندرسون فيلمه إلى أربعة أجزاء، كما يعود إلى أحداث تقع في الماضي ثلاث مرات من خلال عناوين تظهر على الشاشة تشير إلى أنّنا بصدد مشاهدة “فلاش باك”، كما يكتب أحيانا تنويها على الشاشة يشير إلى انتهاء “الفلاش باك”. ويتميز الفيلم بمناظره المذهلة بصريا، ولا شك أنها تحمل الكثير من المتعة للمشاهدين، مع الكلاب التي تتحرك وتومئ بإشارات معينة كما تتخاطب مع بعضها البعض تماما كما يتخاطب البشر وبطريقتهم وأسلوبهم؛ منهم الخبيث ومنهم الذي يخفي قصة من ماضيه، وعندما يبدأ في روايتها يتحلّق حوله باقي الكلاب للاستماع باهتمام. إنه الكلب الضال.. أو كلب الشوارع “سبوتس” الذي يبدو في البداية عنيفا، غير متسامح، يميل للعدوانية، ويصف نفسه عندما يحاول الصبي الاقتراب منه ومداعبته، بأنه يعض. وعندما يروي قصته يقول إنه لا يعرف سببا لهذا الميل إلى العض، لكننا سنكتشف أنه هو الكلب الذي كان يبحث عنه الصبي، وأنه شقيق لكلب آخر من مجموعة الكلاب الخمسة، وسيحاول إقامة علاقة عاطفية مع كلبة جميلة تقوم بإغوائه. هذا الكلب قادم من نغازاكي تلك المدينة اليابانية التي حفر اسمها في ذاكرة الملايين حول العالم بسبب ما تعرّضت له من مأساة عندما شهدت تفجير أولى القنابل الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، وربما تكون هناك إشارة مضمرة في سياق الفيلم تبرّر قيام هذا الكلب “سبوتس” بالعض رغم أن طبيعته الحقيقية تميل للوداعة والرقة. وفي الفيلم مشاهد كثيرة منفذة بجهد كبير في الرسم والتحريك، في تصميم الحركة والاهتمام الكبير بتكوين اللقطات، واستخدام الأغاني التي تتردّد في خلفية شريط الصوت، لكن المشكلة تكمن في تفرّع القصة إلى قصص فرعية كثيرة، والابتعاد عن بؤرة الحبكة كما كان ينبغي، ولذلك يعاني الفيلم من الترهل، وهبوط الإيقاع، وتفكك المحتوى، وغلبة الشروح والتفسيرات في قصة يفترض أن تحمل منطقها الخاص ببساطة، ومن داخلها. يبقى أن الفيلم يعتمد في جوهره على قصة إنسانية تقول ببساطة إن أقرب أصدقاء الإنسان (وهو تعبير يتردّد كثيرا في الفيلم)، أي “الكلاب” معرضون للهلاك، وربما تكون الكلاب هنا معادلا أو رمزا للنقاء والبراءة والصدق، وكلها كائنات يقتلها الإنسان ويمارس القضاء عليها في صلف وغباء، كلما تقدّم في الاختراعات والابتكارات التكنولوجية، بدليل أن الحاكم الشرير كوباياشي يرسل من يغتال البروفيسور واتانابي الذي اخترع مصلا يمكنه أن يحصّن جميع الكلاب من الإصابة بهذا المرض الغامض. ولا تزال في جعبة مهرجان برلين أفلام كثيرة، والمسابقة الفعلية ستبدأ الجمعة مع عرض المزيد من الأفلام التي تتنافس على “الدب الذهبي” وغيره من جوائز المهرجان. ناقد سينمائي مصري

مشاركة :