اللقاءات التي تتم بين دول إقليمية، والحوارات التي تجري خلف الكواليس بين قوى دولية، وضعت أزمة ليبيا في مربع عقد لقاء بين حفتر والسراج، وكأن إتمامه في حد ذاته كفيلا بإنهاء المأساة الأمنية والسياسية. العربمحمد أبو الفضل [نُشرفي2017/02/20، العدد: 10549، ص(9)] النتائج الأولية للزخم الذي تشهده بعض العواصم العربية، بشأن البحث عن وسائل لحل الأزمة الليبية، تركت انطباعات تقول إنه ما زال هناك الكثير من المطبات والعقبات التي تعتري طريق التسوية، والجهود التي تبذلها مصر وتونس والجزائر، من الصعب أن تفضي إلى التوصل إلى صيغة نهائية للحل السياسي، فالهوة بين القـوى المتصارعة كبيرة، والمسافة بين الدول الراعية بعيدة. لا أحد ينكر أن هناك تطورات حقيقية، فرضت على جهات إقليمية ودولية المزيد من الاهتمام بالأزمة الليبية مؤخرا، ومحاولة التفاهم والالتفاف حول مقاربات إيجابية، تضع حدا للمأساة المستمرة منذ ست سنوات، لكن أيضا يجب الاقتناع بوجود تعقيدات ليست هينة تواجه الطريق الذي تسير فيه بعض الدوائر، منفردة أو مجتمعة، وأن سبل تجاوزها بحاجة إلى توافق حول القواعد الرئيسية للتسوية، لأن السيولة السياسية والأمنية الراهنة تجعل بعض الأطراف تتريث، إما لحسم الموقف وتعظيم المكاسب، وإما للسعي إلى تقليل الخسائر، لكي لا تبدو في الكفة الضعيفة بالمعادلة الليبية. الحصيلة التي يخرج بها المراقب للاجتماعات التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي، بين الراعي المصري وكل من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي، وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي، تشي بأن الأول يملك من المقومات ما يجعله يحاول فرض شروطه على الثاني، كما أن الإمعان في تصريحات وتعليقات الأخير تعزز القناعات بأن موقفه أصبح أشد ضعفا، فالجهات المؤيدة له لم تعد متحمسة لمواصلة دعمها، وسط التغيرات الحاصلة في بعض المعادلات، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي والدولي. المشير حفتر، على يقين من أن موقعه العسكري يتحسن تدريجيا، وهو ما جعل موقفه السياسي يزداد رسوخا، كما أن الدعم الذي يتلقاه من جهات عديدة منحه فرصة أكبر للتمادي في الحصول على المزيد من التفوق، وبالتالي فالطريقة التي أراد أن يكون عليها حواره المباشر مع السراج كان من الضروري أن تتناسب مع تطلعاته وطموحاته، بمعنى آخر “فرض شروط قاسية على السراج”، وهو ما تحفظ عليه الأخير، لأنه محكوم بمؤيدين، في الداخل والخارج، يرون أن تغول حفتر عليه سوف يضعهم في موقف أكثر ضعفا. اللافت أن المحاولات الجارية لعقد اللقاء بينهما، من الصعب إتمامها ما لم يتم فك الاشتباك على المستوى الإقليمي والدولي، فمثل كل الأزمات المعقدة في المنطقة، لا تستطيع الأطراف المحلية التحرك بدون موافقة الرعاة أو الوكلاء، ولأن هؤلاء لم يتفـاهموا تماما حتى الآن، فـإن اللقـاء المنتظر سوف يتم تأجيله حتى إشعار آخر. لعل التعجيل بعقد الاجتماع الثلاثي بين وزراء خـارجية مصر وتـونس والجزائر يومي 19 و20 فبراير الجاري، بدلا من أوائل مارس المقبل، يؤكد أن الموقف بحاجة إلى إعادة ترتيب الأوراق مرة أخرى، فتـوافق هـذه الـدول ومـن يدعمون كـل واحدة فيها، من الشروط الأساسية لعقد لقاء ناجح بين حفتر والسراج، لذلك فالمخرجات الإيجابية للقاء تونس بـين وزراء خـارجية الدول الثلاث قد تكون حجر الزاوية الذي يمكن الارتكاز عليه لتضييق الفجوة بين الزعامات الليبية. مصادر في القاهرة اعتبرت أن البعض لم يكن مؤيدا لعقد لقاء حفتر والسراج في الوقت الراهن، لأنها تعتبره بمثابة تنازل من فريق الأول للثاني، مع أن الوقت يمضي في صالحه، حيث تتمدد قواته على الأرض وتنكمش قوات الثاني، وتتراجع نسبة الرفض له ويحظى بقبول من دول كانت رافضة لظهوره أصلا على المسرح العسكري والسياسي، بينما يواجه الثاني مأزقا حقيقيا، فاتفاق الصخيرات الذي جاء على حصانه بات مهددا، كما أن عدد معسكر المؤيدين يتراجع، ويميل ناحية الانشغال بلملمة جراحه في ملفات أخرى، ناهيك عن تهمة حشر السراج في معسكر المتطرفين، الذين أصبحوا عبئا على كل من يقف إلى جوارهم أو خلفهم. تكمن الأزمة أيضا في مدى الليونة التي تدخل على موقف بعض القوى من التيار الإسلامي، وهذه ربما تكون عقدة كبيرة بين دول الجوار الثلاث (مصر وتونس والجزائر)، فالأولى لديها موقف حاسم من إقصاء التيار المتشدد، ومن ضمنه جماعة الإخوان، ولديها أنصار من القوى الدولية، في مقدمتهم الراعي الروسي، وفي ظل تفهم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدواعي القلق المصري، يمكن أن تحصد القاهرة موقفا أميركيا مؤيدا لرأيها. أما كل من تونس والجزائر، فلديهما موقف يتسم بالمرونة من جماعة الإخوان، والتيار الإسلامي عموما، لأسباب مفهومة، معظمها يتعلق بالحسابات الداخلية لكل دولة، والمشكلة تكمن في أن هضم أو استيعاب العناصر “المعتدلة” يمكن أن يفتح الباب لعنـاصر متطرفـة قريبة منها، ما يسمح بالدخول في تفريعات خطيرة، تضاعف من صعوبة التفرقة بين من هو المتطرف ومن هو المعتدل؟ كما أن الرفض التام لفكرة القبول بالإسلاميين يؤدي إلى تمادي الجناح المتطرف في غيه، بل وينضم ما يسمى بالجناح المعتدل إلى فرقة المتشددين، ويستمر الدوران في هذه الحلقة، ما يعيق التوصل إلى تسوية على المدى القريب. الأخطر أن اللقاءات التي تتم بين دول إقليمية، والحوارات التي تجري خلف الكواليس بين قوى دوليـة، وضعت أزمة ليبيا في مربع عقد لقاء بين حفتر والسـراج، وكأن إتمـامه في حد ذاتـه كفيلا بإنهاء المأساة الأمنية والسياسية، التي دخلت في دروب ودهاليز وعرة، تتجاوز حدود اللقاء الذي يمكن أن يعقد في أي لحظة كنوع من التقاط الأنفاس لدى أصحابه ومن يقفون وراءهم. من المهم النظر للمسألة من زاويتين، الأولى أن هنـاك أطـرافـا محلية لا تـزال بعيـدة عن الحل، مثل أتباع نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وهؤلاء يتحركون على أكثر من مستوى ونجحوا في استعادة قدر مـن بريقهم، والقبـائل المـؤثرة التي تتحكم في مفاتيح كثيرة وفي أماكن متفرقة، ومحاولة توزيع هؤلاء وهؤلاء على المعسكرين الظاهرين (حفتر والسراج) تنطوي على تبسيـط سيـاسي وإخلال بجوهر الأزمة، لذلـك فالتفكير فيهما بجدية ربما يكون أحد المقدمات اللازمة للتسوية المرهقة. والزاوية الثانية تتعلق بالأدوار التي يمكن أن تلعبها روسيا، أو دول غربية مؤثـرة، لم تفقـد الأمل في استرداد نفوذها في ليبيا، وهو مـا يجعل الجهـود التي تبذلها مصر وتونس والجزائر على المحك، فإذا فشلت محاولاتها المدعومة من جهات عدة، سوف تضطر بعض القوى للتدخل مباشرة وترتيب التسوية على طريقتها، التي أخشى أن تكون على حساب وحدة التراب الليبي. كاتب مصري محمد أبو الفضل
مشاركة :