فحيتني وأخذتني بيدي إلى ظلال ظاءات الشعراء، فوجدتها لدى الشعراء العشاق، في القرب وفي البعد، مصاحبةً للنظر، إنْ جنَّحوا بخيالهم فأطربوا، أو تجاوزوا في المبالغة فغرَّبوا: فهذا جميل بثينة، جميلُ بن عبد الله بن معمر: أُقلِّبُ طرْفي في السَّماءِ لعلّهُ يوافقُ طرْفي طرْفَها حينَ تنظُرُ وهذا عمر بن أبي ربيعة المخزومي يقولُ على لسان حبيبته: إذا جئتَ فامنحْ طرفَ عينكَ غيرنا لكيْ يحسبوا أنَّ الهوى حيثُ تنظُرُ وفي تعفُّفه..! إنِّي امرؤٌ مُولَعٌ بالحسْنِ أتبعُهُ لا حظَّ لي فيهِ إلا لذَّةُ النَّظَرِ أما ابن زيدون فهو جميلٌ حتى في مبالغته: لوْ استطعتُ إذا ما كنتِ غائبةً غضضتُ طرفي فلمْ أنظرْ إلى أحَدِ وهو يشبه في ذلك المتنبي في مديحه: ولوْ أنِّي استطعتُ حفظت طرفي فلمْ أنظـرْ بهِ حتَّى أراكا وفي شفافية ورقَّة الحلاج: العينُ تبصرُ مَنْ تهوى وتفقدُهُ وناظرُ القلبِ لا يخلو مِنَ النَّظرِ. وكان أنْ مررنا بالظاءِ في الوصف البليغ للحبِّ بحدَّيْهِ لدى الأحوص: ما عالجَ النَّاسَ مثلُ الحبِّ مِنْ سقَمٍ ولا برى مثلُهُ عَظْماً ولا جسَدا وفي تستُّر ابن زيدون: سِرَّانِ في خاطِرِ الظَّلماءِ يكتُمنا حتَّى يكادُ لسانُ الصُّبحِ يُفشِينا وفي افتضاح ابن المعتز: فقلتُ لهُمْ والسِرُّ يُظهِرُهُ البُكا لئِنْ فارقَتْ عيني لقدْ سكنَتْ قلبي وقد أدركتُ في تجوالي معها أنَّ الشعرَ العربي ملونٌ بحضور الظاءات، شأنه في ذلك مع كل حروف العربية، فهي تمنحه اللفظَ، وهو يمنحها الخيالَ والتحليق والإيقاع والإبداع والخلود. وكان مما أوصتني بنقله لكم وهي تودعني، التلطُّفُ باحترام كيانها و مملكتها، وعدم خلطها بجارتها المقربة الضاد، لأنّ في ذلك تشويهاً لها، وقلباً للمعاني، وتمزيقاً وهتكاً لنسيجِ اللغة العربية الدقيق المحكم، وخطراً على الناس في الحكم في القضايا والنزاعات. وقالت إنه إذا حفظت الظَّاءات، سهل عليكم تمييز الضَّادات..! وقد قال الحريريُّ: أيُّها السَّائلي عنِ الضَّادِ والظّاء لكَيْلا تُضِلّهُ الألْفاظُ إنَّ حِفظَ الظّاءات يُغنيكَ فاسمعها استِماعَ امرِئٍ لهُ استيقاظُ. ونحن في نهاية الأمر لا نفضِّل الحفظَ والتلقين بشكلٍ عام، ولكننا مع التبصُّر والدربة، وتبسيط اللغة العربية، ونقشها في ذهن الأطفال، وتقريبها لذائقتهم، وتمكينهم من التأمُّل والتمعُّن فيها لإظهار جمالياتها، وحضِّهم على رعاية أشجارها لقطف ثمارها، والتمتع بمنظرها وظلالها حين يكبرون.
مشاركة :