الهارب من الهلاك المعجّل إلى الهلاك المؤجّل

  • 2/26/2017
  • 00:00
  • 37
  • 0
  • 0
news-picture

صفير غاضب يقترب ويشتد. صفير لا يعلوه صفير وأزيز منبثق من مركبة غاضبة تسبح في الجو انتقاماً من أبنية وأرصفة وأدمغة ورؤوس تعانق تلك الأدمغة. لا مفرَّ من غراب ثائر يعلو البسيطة بضعة فراسخ ويحمل في جوفه الموت بمقاييس مختلفة لأجساد شاء الله لها الاختلاف في الأحجام. كل جسد يقابله مقياس محدد من الموت لا يخطئه ولا يرتد عنه. كل جسد سيحظى بموت يليق به أو لا يليق، كل جسد سيهب نفسه للموت حال أن تُجهضَ السابحة في الجو حمولتها في سقوط حر بحركة متسارعة لترتد على ترابك بعد أن تزهق روحه أيتها الأرض العائدة إلى شرق المتوسط، لا مفرّ. قطعان من الغربان الوطنية تحلق في سمائك أيها الوطن الجريح، وأطفال مبتسمون يلوحون لهم وهم لا يدركون أن الغراب لا يمازحهم وسيصطاد أرواحهم الواحدة تلو الأخرى على أديمك أيها الوطن المهمل المركون على هامش هذه الكرة المستديرة التي تسمى جغرافياً «الأرض». نعق الغراب فسقط الموت من جوفه مطارداً الأرواح في الأزقة والغرف، أما الأجساد فتمزقت وتشتّت أعضاؤها وتناثرت كالغبار، أيّ قبر سيحتضنك أيها الجسد الممزق، أيها النصف الآدمي؟ ولمن تؤول ملكية هذه الأعضاء المتناثرة؟ أيّ انتهاك لحرمة الأموات؟ في الحروب لا حرمة للأشياء، لا للآدميّ ولا لغير الآدمي، فالحرب لا تستثني أحداً، حتى ضحكات الأثرياء وبؤس المتسولين. لا مفرّ. المركبة الآلية الحاقدة المحلّقة بجناحيها اخترقت حاجز الصوت وكأنها اخترقت الإنسانية برمتها. لا شيء يلجمها. لا شيء يخفف من انتقامها الصاخب. إنها القيامة الناقصة التي لا وجهين لها لا تشمل الفردوس، قيامة جحيمية حلت عليك أيها البلد المنهك، وما تبقى من أطفالك يجلسون القرفصاء في ظلامك الدامس لربما تعبرهم سحابة الموت بسلام أو تُخطئهم صدفة، أو ربما يحاولون الحفاظ على الجزء المتبقي من طفولتهم المهدورة المحتلة من قِبل بشر لا يجيدون تفسير آلامهم وصيحاتهم المهدورة أيضاً. لا مفرّ. لكثرة الموت وقلة الحياة على ترابك أيها البلد، من بقي من الأسرة فروا هاربين بما تبقى من حياتهم العاجزة فاجتازوا حدودك السياسية والطبيعية حتى بلغوا البحر المضطرب الهائج الجائع الذي لا يشبع أبداً، وإن ابتلع البلد بجملته، بكل ما فيه من خلق الله. أي جُرم اقترفت أيها البلد وأي ضريبة ستدفع؟ حرب لا عقل فيها ولا صواب في بلد مهزوم، لا أحد منتصر، كلهم مهزومون. الطفل الهارب من أتون الحرب الدائرة بين خصائص المعلوم وخصائص المجهول بين العدم والوجود. الطفل الذي حُرِمَ من نومه وجمجمته تعجّ بأزيز المركبات وضجيج المحركات الثقيلة والخفيفة، غادرَ أشلاء الوطن ليقين منه أن الوطن ليس إلا حبراً يتقيأ على ورقة ممزقة أو حلماً يضاجع خياله الممزق. خليلو الطرف المُذعِن الذي أبرم مع الله ميثاق الموت ككل كردي يُبرم خلسة في الخفاء ميثاقاً مُلزماً لإجهاض الكردي ويقر جهاراً بأنه من يحصّن الكرديات من انتهاك غير الكردي. خليلو ذو الواو الملحقة كقضيته الملحقة أبداً ككل قضية تستعصي ولادتها قسراً، استوطن المنفى بحثاً عن تأويل لاسمه العربي بمفردات كردية ليهجر الوطن هارباً من جحيم معجّل إلى جحيم مؤجّل فمكث أرضاً ليست بكردية وشرب نَخب البحر حتى افترش الزبد وسادة أبدية.

مشاركة :