الانتعاش الاقتصادي في منطقة اليورو حقيقة أم سراب

  • 2/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على مر السنين ظل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو أشبه بعرائس البحر في ملحمة الأوديسا لمؤلفها الشاعر الإغريقي هوميروس، وهن يرددن بأصواتهن الساحرة أغنية تذهب بالألباب لتنتهي الحال بسامعيها من البحارة إلى الاصطدام بالصخور. فهل سيختلف الأمر هذه المرة؟ فقد فوجىء كثيرون بمؤشرات النمو القوية المسجلة في العديد من البيانات الصادرة والمسوح في بداية هذا العام. أحد الأمثلة الكاشفة تمثل في إصدار بيانات موجزة عن مؤشرات مديري المشتريات في فرنسا وألمانيا ومنطقة اليورو في 21 فبراير. ومن بين المؤشرات التسعة سجلت ثمانية مؤشرات نموا بل إن ستة مؤشرات سجلت نموا أعلى من توقعات أي من خبراء الاقتصاد الذين استطلعت رويترز آراءهم. لذلك، ليس من المدهش أن يبحث الاقتصاديون وصانعو السياسات الآن عن دليل مؤكد على أن انتعاش منطقة اليورو هذا العام قابل للاستمرار، وفي الوقت نفسه يشيرون إلى مجموعة متنوعة من المخاطر الاقتصادية والسياسية التي يحتمل أن تحمل في طياتها بذور الخراب. ويقول هؤلاء إنه لم تظهر نقطة محددة يمكن عندها القول إن منطقة اليورو انتعشت وأصبحت تسير على طريق النمو. بل أن التطور ظل بطيئا. وقال جيمس ماكان خبير الاقتصاد المتخصص في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لدى ستاندرد لايف انفستمنتس: إن «منطقة اليورو تشهد تحسنا باطراد على مدار ثلاث سنوات الآن بمساعدة تحفيز السياسة النقدية ونهاية التقشف المالي وتحسن أحوال القطاع المالي». وتؤكد الأرقام ذلك إذ تشير المفوضية الأوروبية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو نما على مدار 15ربع سنة على التوالي، فيما يعد علامة على التحسن المطرد. غير أن استبعاد بعض من أحدث البيانات يبين أن النمو كان مستقرا وليس مبهرا. فما زال النمو الاقتصادي يسير بمعدل يبلغ نحو 1.6 في المئة سنويا، ويقدر أغلب الخبراء، الذين شاركوا بتوقعاتهم في استطلاع أجرته رويترز للمفوضية نفسها، أنه سيظل على هذا المستوى تقريبا في العام الجاري. لذلك فالسؤال الآن هو ما إذا كانت البيانات الأخيرة قد قلبت هذه الصورة رأسا على عقب؟حتى قبل النظر فيما إذا كانت مشاكل الدين اليوناني ستؤرق منطقة اليورو مرة أخرى، فهناك قضيتان رئيسيتان هما التضخم والانتخابات. عن السياسة والتضخم في حين أن تكرار البيانات الايجابية التي صدرت في شهري يناير وفبراير خلال الشهر المقبل مثل ارتفاع الطلبيات الصناعية الألمانية بشدة مرة أخرى سيعزز سيناريو انطلاق النمو في الاتحاد الأوروبي، فربما يكون المفتاح في التضخم. وقال بول مورتيمر لي رئيس قسم اقتصاديات السوق في بنك بي.إن.بي باريبا: «يكمن خطر الشعور بخيبة الأمل في أن يؤدي ارتفاع التضخم الأساسي إلى تباطوء نمو الدخل الحقيقي والاستهلاك». ومن المتوقع أن تبلغ القراءة الأولية لمعدل التضخم في منطقة اليورو خلال فبراير، والتي تعلن يوم الأربعاء المقبل، اثنين في المئة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي لترتفع إلى المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي بفضل التحفيز النقدي والنمو الاقتصادي. ورغم تواضع هذا المستوى فلم تشهد المنطقة مثله منذ أربع سنوات، كما أن السنوات الخمس الماضية شهدت مسارا عكسيا قويا بين التضخم ومبيعات التجزئة. وبعبارة أخرى يمكن لارتفاع الأسعار أن يضر بإنفاق المستهلكين الذي يفيد في تحريك الاقتصاد. وتفسر البطالة خلال الأزمة المالية بعضا من انخفاض مبيعات التجزئة الذي شوهد بشكل متقطع منذ عام 2008. غير أن معدل البطالة مازال رغم تحسنه يزيد مرتين عن مثيله في الولايات المتحدة على سبيل المثال. لذلك فإن التضخم في منطقة اليورو قد يخنق النمو الذي ولده إذا ارتفع بشدة في العام المقبل. ومع ذلك يرى الاقتصاديون عاملا للقضاء على النمو في سياسات منطقة اليورو. فقد جادل كثيرون بأن منطقة اليورو لا يمكنها التنافس كقوة اقتصادية رائدة دون إصلاحات هيكلية كبيرة، لاسيما في الاقتصادين اللذين يحتلان المرتبتين الثانية والثالثة بعد ألمانيا. وقالت فلورريان هينس خبيرة الاقتصاد الاوروبي في بنك برينبرغ الخاص: «الأمر يتوقف على رفع الوتيرة درجة في فرنسا وايطاليا». غير أن السياسة في هذين البلدين بالتحديد هي التي تهدد بتأجيل نوع الإصلاحات الهيكلية المفيدة للنمو التي ينادي بها البنك المركزي الأوروبي وكثير من الاقتصاديين في القطاع الخاص. ففي إيطاليا تقلصت فرص إجراء انتخابات هذا العام، غير أن الاضطراب السياسي الذي اكتنف استقالة رئيس الوزراء ماتيو رينتسي سيؤدي على الأرجح إلى انتكاس الإصلاحات الكبرى حتى تجرى انتخابات. ومع ذلك، ففي فرنسا تمثل الانتخابات نفسها الخطر الأكبر. فاثنان من المرشحين الثلاثة الأوائل يعتبران من الإصلاحيين الاقتصاديين لكنهما يقفان في مواجهة مارين لوبان مرشحة الجبهة الوطنية التي تمثل اليمين المتطرف والتي وعدت بطرح عضوية فرنسا في الاتحاد الاوروبي في استفتاء من شأنه أن يهز استقرار اقتصاد منطقة اليورو لسنوات. وتشير الاستطلاعات إلى أنه ليس من المتوقع أن تفوز لوبان. غير أن فوز الرئيس الأميركي لم يكن متوقعا ولا كانت رغبة بريطانيا في الانسحاب من الاتحاد الاوروبي كذلك متوقعة. وقال الاقتصاديون في بنك برينبرغ لعملائهم: «إذا انضمت فرنسا، وهي تشهد تحسنا، إلى ألمانيا، وكانت الأخيرة لاتزال تحتفظ بقوتها في قلب أوروبا، فمن الممكن أن تتحسن التوقعات الاقتصادية والسياسية لمنطقة اليورو ككل بشكل كبير. «لكن» فوز لوبان بالرئاسة سيؤذن بنهاية الآمال في الإصلاح لفرنسا والاتحاد الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة». (لندن- رويترز)

مشاركة :