القاهرة - يظل الغرض من اختيار أسماء مستعارة لتسجيل الدخول على مواقع التواصل الاجتماعي متأرجحا بين التميز والتخفي، حيث يعتبر البعض أن ثمة أسماء بعينها تساعدهم على التميز من بين ملايين المستخدمين، ومن ثم تجلب الكثير من الأصدقاء والمتابعين، في حين يعتبر البعض الآخر أن اختيار أسماء مستعارة للتخفي وراءها هو الأفضل لهم ويحقق لهم الأمان النفسي والاجتماعي، أيضا يستخدمها أصحابها كأقنعة لممارسة سلوكيات غير أخلاقية، فضلا عن الدوافع والأسباب النفسية لرغبة المرء في اختيار أسم بعينه يعبر عن جزء خاص في شخصيته يخفيه عن عالمه الحقيقي. وقد أشارت إحصائية أعدها باحثون بريطانيون، إلى أن نسبة الأفراد المستخدمين للأسماء المستعارة للتسجيل عبر مواقع التواصل، تصل إلى أكثر من 50 بالمئة من العدد الكلي للمستخدمين، ويكون السبب الأرحج للتخفي وراء أسماء مستعارة هو تعزيز الشعور بالحرية وعدم المتابعة من قبل الأهل، يليه الرغبة في ممارسة السلوكيات السلبية مع الفتيات دون الإفصاح عن طبيعة شخصياتهم الحقيقية، أيضا التعبير عن مكنون شخصيتهم الذي لا يمكن للآخرين الاطلاع عليه. تقول د. نهى معروف، أستاذة علم النفس بالجامعة الأميركية في القاهرة إن اختيار أسماء مستعارة للرواد على مواقع التواصل الاجتماعي هو بالفعل ظاهرة نفسية، حيث يلجأ المستخدم إلى هذا الإجراء لعدة أسباب من بينها ما هو نفسي، قد يكون الخوف في مقدمتها. وتضيف أن المقصود هنا هو الخوف من طبيعة العالم الافتراضي، حيث أن اتساع هذا العالم الذي يدخله المستخدم يوميا، يرمي بالخوف إلى قلب المستخدم، لا سيما إذا كان من الرواد الجدد الذين لا يجيدون استخدام الإعلام الاجتماعي بحرفية، لذلك يتخفى خلف الأسماء المستعارة، لأنها غير رسمية سهلة التداول، ويصعب التوصل إلى متبنيها، كما أنها تعتبر في نظر بعض الرواد عوضا عن أسمائهم التي لم يتمكنوا من اختيارها بأنفسهم، وبالتالي قد تحمل مثل هذه الأسماء حلما كثيرا ما رغب صاحبه في تحقيقه، الأمر الذي يؤشر لمعاناته من شعور الافتقاد أو الحرمان، رغم أن الشخص غير مؤهل لاختيار اسمه، إلا أنه يظل ساخطا على الشيء الذي لم يكن من اختياره. وأشارت د. نهى إلى أنه وبالرغم من عدم ارتباط الأسماء المستعارة بمواقع التواصل الاجتماعي فقط، ولكن بحسب دراسات أجريت في هذا الشأن تبيّن أن 50 بالمئة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، يلجأون إلى الأسماء المستعارة، حيث يجدون بها طعما للحرية التي قد يكونون من فاقديها على أرض الواقع، الأمر الذي يعتبر دافعا نفسيا في حاجة إلى مراجعة شخصية من الفرد باستعانة خبير نفسي، لأن افتقاد الشخص لمشاعر إيجابية مثل الحرية، قد يضعه في بوتقة الاكتئاب، فقد يكون الأمر غير متوقف على أمر واحد فقط، وإنما قد يكون متعلقا بأسلوب حياة يعاني منها، بالإضافة إلى رغبة المستخدم في الإبداع، قد تقوده تلك الرغبة إلى التخفي وراء اسم مستعار، حيث يريد أن يشعر بالاختلاف بين متابعيه، ويجد في ذلك تحقيقا لهذه الرغبة. وأضافت: الشعور بالنقص من الأسباب النفسية الدافعة لاستخدام الأسماء المستعارة من قبل رواد مواقع التواصل، حيث يشعر بعضهم بالنقص أو انعدام الثقة بأنفسهم، الأمر الذي يدفعهم إلى التخفي خلف أسماء تشبع لديهم مثل هذه الأحاسيس، وتمنحهم ثقة كافية بأنفسهم، فقد يكون الشخص فشل في تحقيق شيء ما يرغب في تعويضه عبر استخدام اسم مناسب له، موضحة أن القيود الأمنية وقمع الحريات سواء الاجتماعية أو الفكرية والسياسية من الأسباب التي تجبر الأفراد على التخفي وراء الأسماء المستعارة، حيث يستخدمون هذه الأسماء للتحدث بحرية في القضايا المجتمعية والفكرية والسياسية المختلفة. وعن الأسباب الاجتماعية التي تزيد من نسبة التخفي وراء الأسماء المستعارة على مواقع التواصل الاجتماعي، يوضح د. حسام زكي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة المنيا، أن من أبرزها القيود والضوابط التي يضعها الوالدان والأسرة، ويلزمون أبناءهم من الجنسين باتباعها والعمل وفقها، فقد تكون تلك المواقع من الموانع التي يحرم الأبناء من استخدامها، الأمر الذي يشعرهم بالخوف في حالة معاكسة هذه الضوابط والنزول عنها، لذلك يلجأون إلى الأسماء المستعارة للشعور بحرية أكثر، تمكنهم من استخدام تلك المواقع دون خوف أو رهبة من التعرض للعقاب، لا سيما الفتيات لكونهن لا يتمتعن بقدر كاف من الحرية التي يتمتع بها الشباب، لذلك فإن أكثر المستخدمات لمثل هذه الأسماء هن الفتيات، هربا من التزمت الذي يقيمه الوالدان عليهن، كما أنهن أقل جرأة مقارنة بالشباب. ويلفت زكي إلى أن الأسماء المستعارة وسيلة للانخراط أكثر في الممارسات والسلوكيات السلبية مع الآخرين، حيث يشعر المستخدم بحرية في التعامل مع الرواد بالصورة التي يرغبها، فقد يتمكن الشاب من إقامة علاقات عابرة من الفتيات دون الالتزام من خلال الاسم بشيء ما، أو أن يتوصلن إلى هويته الحقيقية من خلال الاسم، كما أن الخوف من الابتزاز من دوافع التخفي وراء اسم مستعار، فقد يتعرض أحد الحسابات للاختراق، ومن ثم لكشف الخصوصيات، وما يندرج على ذلك من نتائج وعواقب وخيمة، لذلك يرى الغالبية في الاسم المستعار والبيانات المغلوطة تحقيقا للأمان سواء كان نفسيا أو اجتماعيا. (وكالة الصحافة العربية)
مشاركة :