يضحك النظام السوري حاليا ملء شدقيه. ورّط روسيا في الازمة السورية الى ابعد حدود بما يجعلها عاجزة عن التراجع. ان تتراجع روسيا في سورية يعني خسارة الرهان على استعادة موقع لموسكو على الصعيد الدولي. بكلام أوضح، ان تراجع روسيا صار بمثابة عودة الى السنوات التي تلت مباشرة انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع العام 1992، حين أصبحت روسيا مجرّد دولة هامشية على كلّ صعيد.بلغ التورط الروسي في سورية درجة لم تعد فيها موسكو تعرف ماذا تريد، خصوصا انّه ليس هناك من يريد ان يشتري من بضاعتها. والبضاعة الروسية تتمثّل في الوقت الراهن برأس بشّار الأسد الذي يعرف قبل غيره انّ روسيا ضحية لعبة عاجزة عن الخروج رابحة منها. لا تستطيع حتّى الخروج منها بطريقة مشرّفة من نوع البقاء الى ما لا نهاية على الشاطئ السوري. الاهمّ من ذلك كلّه انه ليس هناك من يريد شراء رأس النظام. بماذا يقدّم وجود هذا الرأس وبماذا يؤخّر، في وقت صار النظام كلّه في مزبلة التاريخ؟يُفترض ان يكون التورّط الروسي وابعاده ودور النظام في الاستفادة الى ابعد حدود منه، موضوع نقاش في المؤتمر الذي يعقده حاليا في موسكو مركز الأبحاث التابع للكرملين المعروف بـ«فالداي».كلّما زاد التورّط الروسي، زاد فرح النظام بقدرته على الصمود، أي زاد رهانه على وهم ليس بعده وهم، علما انّ هذا النظام لا يدرك انّه انتهى عمليا وانّ رهانه على التنافس الروسي ـ الايراني لا يعني شيئا في المدى الطويل. عفوا، يمكن لهذا التنافس ان يعني شيئا واحدا هو انّه لا يمكن لسورية البقاء موحّدة وانّ لا بدّ في نهاية المطاف ان تقبل أي قيادة جديدة فيها، تسيطر على جزء من أراضيها، قيام منطقة عازلة بينها وبين إسرائيل...من ورّط من في سورية؟ هل النظام ورّط سورية ام روسيا نفسها ورّطت نفسها عبر مشروع غير قابل للتحقيق في بلد يصعب إعادة تركيبه بعدما تبيّن انّ كلّ مؤسساته كانت مبنية على المذهبية ولا شيء آخر غير المذهبية تحت عنوان سيطرة الاقلّية العلوية على كلّ مفاصل السلطة، بالتحالف مع اقلّيات اخرى وإبقاء الفتات للسنّة الذين يشكّلون 76 في المئة من عدد السكّان.يعرف النظام السوري انّ المشروع الروسي ليس قابلا للحياة. لذلك يمارس كلّ أنواع الابتزاز مع روسيا التي اعتقد فلاديمير بوتين ان في استطاعته استخدام سورية كي تكون رافعة لبلده الساعي الى وراثة وضع القوّة العظمى التي سقطت مع سقوط الاتحاد السوفياتي.يعود انهيار المشروع الروسي في سورية، وهو مشروع لا يشجّع على استمراره سوى النظام، الى انّ الكرملين لم يفهم منذ البداية انه ليس في الإمكان إعادة بناء الدولة السورية. هذه الدولة انتهت في اليوم الذي اندلعت فيه الثورة الشعبية قبل ست سنوات الّا أسبوعين. في ذلك اليوم من شهر مارس 2011، قرّر السوريون ان يقولوا للنظام العلوي، الذي تحوّل الى نظام عائلي بعد خلافة بشار الأسد لوالده، ان كفى تعني كفى وانّ لا عودة الى الماضي. لا عودة الى نظام العبودية الذي تستخدم فيه اقلّية شعارات حزب البعث للتحكّم بالأكثرية.ليس معروفا كيف يمكن لدولة مثل روسيا الدخول في لعبة انقاذ نظام ميّت أصلا. هل دفعها الى ذلك الرهان على امكان إعادة بناء الجيش السوري عن طريق ضبّاط مرّوا في المعاهد العسكرية السوفياتية ثمّ الروسية، ومعظم هؤلاء من الضباط العلويين؟ هل دفعها الى ذلك الاعتقاد الخاطئ بانّ ايران قادرة على ضخ آلاف العناصر التابعة لميليشيات مذهبية لبنانية وعراقية وافغانية تعوّض النقص في العناصر البشرية الذي يعاني منه النظام السوري؟حسنا، ضخّت ايران آلاف العناصر التابعة لميليشيات مذهبية تعمل بإمرتها ولكن ماذا بعد ذلك؟ دخلت هذه الميليشيات حلب، لكن روسيا تعرف قبل غيرها ان الانتصار الذي تحقّق على حلب لم يكن ممكنا من دون التواطؤ التركي الذي تترتب عليه أمور كثيرة. من بين هذه الامور الإقرار بأن مناطق معيّنة في سورية يجب أن تكون تحت النفوذ التركي لا أكثر ولا أقلّ.في كلّ الأحوال، تورّطت روسيا في سورية. سيصفقّ النظام السوري والايرانيون لهذا التورّط طويلاً. كلّما مرّ يوم سيزداد هذا التورّط الذي لا أفق له، لا لشيء سوى لأنّ المشروع الروسي في سورية لا افق له من جهة ولانّ التراجع سيعني الكثير لبوتين. قد يتجاوز هذا الكثير مجرّد ان يكون الامر نكسة سياسية قابلة للعلاج.ما يؤكّد أن المشروع الروسي سقط نهائيا طبيعة الحوارات الدائرة في مؤتمر جنيف الذي دعت اليه الامم المتحدة. تحوّل هذا المؤتمر الى طبخة بحص ليس إلّا. جاء هذا المؤتمر بعد لقاءين في أستانة، عاصمة كازخستان، شارك فيهما الروسي والإيراني والنظام والمعارضة. كانت الولايات المتحدة حاضرة عبر بعثتها الديبلوماسية في العاصمة الكازاخية. كانت النتيجة الاضطرار للعودة الى جنيف حيث يدور بحث جديد عن جنس الملائكة.إذا وضعنا جانبا الفشل الذي لحق بمؤتمر جنيف، لا مفرّ من الاعتراف بأنّ التورط الروسي في سورية لن يعفي الكرملين من الإجابة عن أسئلة محدّدة في الأسابيع القليلة المقبلة. في مقدّم هذه الأسئلة هل ستلجأ روسيا الى «الفيتو» مرّة سابعة في مجلس الامن لمنع صدور قرار جديد يتضمن أسماء مسؤولين سوريين في قضية مرتبطة باستخدام أسلحة كيماوية في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري؟هناك سؤال آخر في غاية الاهمّية مرتبط بنية الولايات المتحدة ارسال قوات الى المنطقة لضمان قيام مناطق آمنة في سورية، خصوصا في منطقة الحدود مع الأردن. ما الموقف الذي ستعتمده موسكو من هذه المسألة؟أدّى التورط الروسي الى إطالة عمر نظام منته. هذه خلاصة الامر. تبيّن مع اندلاع الثورة السورية انّ هذا النظام لا يستطيع البقاء، ولو شكلا من دون تدخّل خارجي. تدخّلت ايران مباشرة ثم عبر ميليشياتها ذات التسميات المختلفة. بعد 2015، كان لا بدّ من اللجوء الى روسيا التي أرسلت طائراتها الى منطقة الساحل السوري وحالت دون سقوط المنطقة العلوية أوّلا. لم تستطع روسيا بدورها استكمال مهمّتها المرتبطة بمشروع محدّد يقوم على إعادة بناء الجيش السوري، من دون تركيا.من يخرج روسيا من ورطتها السورية التي يبدو ان النظام شجّعها على السقوط فيها. هل الخلاص الروسي بالتعلّق بالحبال الأميركية التي يسعى النظام بدوره الى الاستعانة بها بعدما ارسل المرّة تلو الأخرى إشارات الى إسرائيل فحواها انّه مستعد لدفع أي ثمن تطلبه في حال كان ذلك يؤمن له البقاء في دمشق...من ورّط من في سورية، صار سؤالا تجاوزه الزمن والاحداث في وقت لم يبق في الساحة سوى الاميركي والإسرائيلي اللذين يقفان على استعداد ليوم الحصاد. هل يبقى شيء من سورية وشعبها في مثل هذا اليوم؟
مشاركة :