النسخة: الورقية - سعودي لم تفصل وزارة الصحة في العبث الناجم عن حرية تحركات كورونا على نحو أصبح مفزعاً، فلم تحدد هوية هذا الفايروس ولم ترصد مصادر قدومه ولا مكان ولادته وتاريخه، واكتفت بمعلومات ناقصة متباينة، فأصابع الوزارة التي امتدت إلى اتهام الجِمال هي الأصابع نفسها التي برأتها في موجة من التجاذبات والتناقضات الواضحة لتتركز المواجهة في البيانات والتصريحات الرامية، للتقليل من شأنه وإنكار آثاره وتحقير أفعاله، على رغم وفاة العشرات من مستضعفيه وطرح أسمائهم الكاملة في وسائل التواصل المتهمة أيضاً بالتضليل والتهويل بعد أن فشلت الوزارة في طمأنة سكان مدينة جدة عملياً، لتظل المخاوف فعلاً سائداً كنتيجة حتمية لمشاهدات يومية لا تخطئها العين المجردة، ولاسيما بعد أن هاجم هذا المخلوق السائب بعضاً من منسوبي الوزارة فأرداهم بين قتيل ومصاب، لتتوالى المناداة في الاستعانة بخبراء لفك لغز وباء قد تمتد آثاره السيئة في كل اتجاه، إذ توقع السكان فعلاً احترازياً حقيقياً يعزز قيمة الإنسان ويأتي على هيئة مواجهة جادة تقلم أظافر «كورونا». لم تفصل الوزارة في موضوع انتشار هذا المخلوق الغريب القاتل مثلما أولت اهتمامها بموضوع فصل توائم عابرة للحدود على سبيل المثال، على رغم أهمية وتشجيع مثل هذا الفعل علمياً. ولهذا أضحى «كورونا» بطل المشهد على نحو مفزع سارحاً مارحاً بحرية مطلقة بين طبقات المجتمع كافة، آمناً مطمئناً مخرجاً لسانه لعبارات الطمأنة كافة والتهوين سائراً على أقدامه عياناً بياناً في طريق التحول لوباء مميت غدر بمنسوبي وزارة الصحة وكوادرها الطبية نتيجة تحقير الشأن وتقليل المفعول، إذ ليست لديهم الحيل والقوة لردعه على أقل تقدير عن ممارسة التجول في ردهات طوارئ المستشفيات، بعد منعهم من استخدام الكمامات ليتسبب الفايروس الطليق بانطوائية سكان محافظة جدة، وقد ينتقل بيسر وسهولة صوب مدن ودول أخرى لم تصلها جحافله بعد هذا العام أو العام الذي يليه. ولأننا نطّلع بين الحين والآخر على ردود فعل المؤتَمنين على صحة البشر في أصقاع الأرض كافة عندما تصبح الحال أقل من ربع ما نحن عليه من خلال وسائل الاتصال ذات الصدقية بعد أن تحولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة نشعر بالأسى والحزن أمام أيدي مكبلة وتواجه الفايروس بالتصريحات والبيانات ذات الطابع غير المؤثر أمام المشهد العام الواضح وضوح الشمس في كبد السماء لينتصب السؤال من جديد، لماذا فقدنا الثقة بمعلومات تصدر عن الجهات ذات الطابع الخدمي على نحو ما نعيشه في هذه الأجواء الكارونية؟ وللإجابة عن هذا السؤال نحتاج إلى دراسة مستفيضة ذات طابع اجتماعي نفسي في إطار ضرورة ملحة لإعادة الثقة، عوضاً عن صب الجهود للمطالبة بإهمال الإشاعات من دون فعل ما ينبغي فعله على أرض الواقع، ولاسيما مع عدم وجود من يشكك في الأوضاع المزرية التي تعيشها بعض المنشآت الصحية، على رغم وفرة الموازنات وضخامتها واهتمام الدولة بما يكفل الوصول إلى مصاف دول متقدمة في مجال العناية بالصحة، لذلك نتفق جميعاً على أن الخطوة الأولى في طريق النهوض تتمثل في مواجهة المشكلة بدلاً من إنكارها من دون سند، فانعدام الثقة بوسائط الخدمات ومقدميها كافة أضحى الشغل الشاغل لفكر الراصدين، بعد إجماع العامة على إهمال كل ما يصدر من بيانات وتصريحات يمكن اعتبارها رسمية. بل تكاتفت تلك الجموع للمبالغة بالتشكيك على اعتبار النفي إثبات في ظاهرة معكوسة تجزرت في الأوساط الاجتماعية المرجحة لتصديق تخمينات تتطاير في فضاءات وسائل الاتصال الحديثة بكل الأشكال والألوان، مدفوعة بمعلومة شح الأَسرّة من جهة ورداءة الخدمة من جهة أخرى في وطن سخّر الإمكانات المادية كافة لخدمة المواطن وفشل في اختيار بعض القادرين على استثمارها بمنتج يليق في مستوى اهتمام الدولة ورعايتها ونظام صارم لآلية واضحة المعالم، ذلك أن البشر كافة يمرضون ثم يجب أن يتساووا حين يمرضون. لا شك أن مبررات تلك الحالة، وأعني حالة عدم الثقة مفهومة ومنطقية في آن ذلك أن جهابذة التصريحات والبيانات فشلوا فشلاً ذريعاً في مخاطبة المجتمع بالمنطق فانطبقت عليهم مقولة: «حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له» ولهذا فقط جاز لنا إعادة السؤال: لماذا نتردد ونشكك أحياناً في بيانات وتصريحات وتعليقات الجهات ذات الطابع الخدماتي؟ لماذا نرجح صدقية التخمينات والإشاعات قبل اكتشاف العكس ونتناقلها على أنها من الأمور المسلّم بها؟ mfbbddsh@gmail.com
مشاركة :