تحركت أنقرة باتجاه إنهاء التوتر مع إيران الذي انعكس في تصريحات حادة متبادلة بين مسؤولي البلدين خلال الأيام الماضية، والتقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان نظيره الإيراني حسن روحاني على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو) في إسلام آباد، أمس الأربعاء، واستغرق اللقاء نحو الساعة دون صدور تصريحات عما دار خلاله. وأعطت أنقرة إشارات واضحة على استدارة من موقف التصعيد اللفظي مع طهران على مدى أسبوعين إلى العمل على ترطيب أجواء العلاقات في الفترة الأخيرة، تحديدا عقب الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي، ذوبانا لجليد الفتور بين الجارتين، ارتفعت حرارته إلى تنسيق في الملف السوري يتجاوز التباينات على الأرض والموقف من نظام بشار الأسد. وبعد أن وصلت أنقرة إلى الذروة في انتقاد سياسات طهران في المنطقة ووصفها بأنها تهز الاستقرار وتسعى لتمديد نفوذها ونشر الطائفية والتشيع في سوريا والعراق، عاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل ساعات قليلة من لقاء إردوغان روحاني، ليصف علاقات بلاده مع إيران بالأخوية مؤكدا أنها لن تنسى دعمها. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية «إرنا» عن جاويش أوغلو في تصريحات على هامش اجتماعات «إيكو» التي حضرها مرافقا لإردوغان قوله: «لن ننسى دعم إيران ووقوفها إلى جانب تركيا حكومة وشعبا في الانقلاب الفاشل الذي وقع في 15 يوليو الماضي». وزاد أوغلو أن لإيران وتركيا وجهات نظر مشتركة ومتقاربة في كثير من القضايا، والبلدان يحتاجان إلى مزيد من التشاور والحوار لترسيخ العلاقات وللحيلولة دون أي سوء فهم، وأن هناك قواسم مشتركة كثيرة بين إيران وتركيا، والتعاون القائم بين الشعبين الإيراني والتركي أسهم في تطوير العلاقات الأخوية. وكان توتر انعكس في هيئة تلاسن بين البلدين ظهر على السطح بدءا بسبب الانتقادات التي وجهها جاويش أوغلو لإيران خلال كلمته في مؤتمر ميونيخ الثالث والخمسين للأمن في التاسع عشر من فبراير (شباط) الماضي، لافتا إلى أن ممارساتها تعمل على هز الاستقرار والأمن في المنطقة، وأنها تسعى إلى نشر التشيع وتحويل سوريا والعراق إلى دولتين شيعيتين خالصتين، ذلك بعد أن سبق أن وجه الرئيس رجب طيب إردوغان انتقادات إلى طهران، لافتا إلى أن هناك أطرفا في المنطقة تسعى إلى تقسيم سوريا والعراق على أساس طائفي عن طريق اللجوء إلى القومية الفارسية. واستدعت الخارجية الإيرانية السفير التركي لدى طهران، رضا هاكان تكين، في اليوم التالي لتصريحات جاويش أوغلو للاحتجاج على التصريحات التي وصفتها بـ«غير البناءة» للرئيس التركي ووزير الخارجية. وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تصريحات السبت الماضي، إن تركيا جارة ذاكرتها ضعيفة وتنكر الجميل... يبدو أن ذاكرة أصدقائنا ضعيفة، فهم يتهمون إيران بالطائفية، وكأنهم تناسوا موقفنا في ليلة حدوث الانقلاب العسكري الأخير، وكيف أننا بقينا نتابع الأوضاع حتى الصباح، رغم أن حكومة تركيا ليست حكومة شيعية. وفي الدائرة نفسها تبادلت أنقرة وطهران كثيرا من التصريحات الحادة والاتهامات بدعم الإرهاب واستغلال اللاجئين في الحروب وتهديد طهران بأن لصبرها حدودا. وانعكس هذا التوتر في أبرز صوره على العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي يحرص الجانبان على عدم تأثرها بالمواقف السياسية وتبايناتها، وتم تعليق اجتماعات منتدى الأعمال التركي الإيراني الذي كان مقررا عقده في 25 فبراير في طهران، حيث كان سيمثل تركيا وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، وسيمثل إيران وزير الصناعة والتجارة محمد رضا نعمت زاده، وتم تأجيله إلى أجل غير مسمى. وبحسب مصادر في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي كان مقررا أن يشارك في أعمال المنتدى نحو مائة شركة تركية كبيرة، كما كان مقررا أن يتم تدشين مركز التجارة التركية في طهران. وأوضحت المصادر أن رجال الأعمال الأتراك كانوا ينتظرون المنتدى بحثا عن فرص في مجال الطاقة والبتروكيماويات والتعدين والمقاولات وتجارة التجزئة والخدمات اللوجيستية والسياحة بعد أن تم رفع بعض العقوبات عن إيران. وكان المجلس أصدر بيانا ذكر فيه أن الاجتماع من الممكن أن يكون فعالاً في زيادة حجم التبادل التجاري إلى مستوى 300 مليار دولار المطلوب الوصول إليه في غضون عامين. كما يتأثر قطاع السياحة في تركيا سلبا بالتوتر السياسي ويزور تركيا سنويا ما بين 1.5 إلى مليوني سائح إيراني. وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة تشعر، بلا شك، بالقلق من سعي إيران إلى مد نفوذها في العراق وسوريا واليمن باستغلالها خطر «داعش» و«القاعدة» في تلك البلدان والتحكم في شؤون العراق من خلف الستار، وتعتقد أن إدارة أوباما كانت تشجع السياسة الإيرانية في المنطقة لاعتبارها أن طهران يمكن أن تكون حليفا قويا ضد «داعش» ولذلك فتحت المجال أمامها واسعا وتحركت الحكومة الإيرانية سريعا مستغلة الحرب على «داعش» والاتفاق النووي مع الغرب، إلا أن الموقف تغير مع تولي إدارة ترمب وبات واضحا أن سياسته تجاه إيران ستختلف عن إدارة سلفه أوباما، ومن هنا بدأت أنقرة تصعد انتقاداتها ضد طهران، لا سيما بعد أن لمست تحايلا إيرانيا على تركيا في العراق وسوريا، واتخاذ خطوات لا تراعي حسن الجوار بهدف القضاء على التأثير التركي واتضح ذلك من التباين الذي ظهر في اجتماعات آستانة - 2 في فبراير الماضي، وصولا إلى التصريحات الحادة من جانب أنقرة. وأوضحت المصادر أن أنقرة تعتقد بضرورة وجود تحرك سريع لعرقلة التوسع الطائفي الإيراني، معتبرة أن هناك خطوة مهمة في هذا الشأن وهي تصنيف الميليشيات الشيعية تنظيمات إرهابية من جانب الأمم المتحدة، ولفتت إلى أن هذا يقتضي التعاون بين تركيا وروسيا والولايات ودول الخليج. أما عن التراجع في التصريحات تجاه طهران فاعتبرت المصادر أنه ليس تراجعا أو تحولا بالشكل الذي قد يظهر معه أن هناك تناقضا أو غيابا للرؤية من جانب أنقرة، وإنما يرجع ذلك إلى رؤية أنقرة لضرورة الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع إيران والحفاظ على المصالح الاقتصادية بينهما مع إظهار أنها لا تقبل بسياسات التشيع والسيطرة على العراق وسوريا من خلال تجاوز حدودها. ولفتت المصادر إلى أن مجمل التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأتراك كانت تؤكد هذا المفهوم، وهو أن تركيا لا تريد أن تفقد علاقاتها مع إيران بوصفها دولة جارة تربطها معها مصالح مشتركة، لكنها في الوقت نفسه تطالبها بمراجعة سياساتها التي تقوم على ممارسات لتوسيع نفوذها خارج حدودها. وأوضحت المصادر أن حكومة بن علي يلدريم منذ توليها السلطة في مايو (أيار) من العام الماضي وضعت أمامها هدف إزالة التوتر والخلافات مع الدول المجاورة وقطعت خطوات في هذا الشأن مع روسيا وإيران واستفادت من ذلك في إحراز بعض النجاحات في الملف السوري، وكذلك من تجاوز التعقيد في العلاقات مع بغداد وترغب في الاستمرار في تطوير العلاقات مع مختلف الدوائر من خلال تجنب التصعيد والتوتر وحل الخلافات عبر الحوار والتشاور.
مشاركة :