نجحت الضغوط الروسية في إحداث خرق أساسي في مباحثات جنيف بعد خمسة أيام من انطلاقها، بحيث أعلن يوم أمس، وفد الهيئة العليا للتفاوض، عن قبول النظام البحث في الانتقال السياسي، وهو ما اعتبرته المعارضة «نصرا» بانتظار الانتقال إلى الخطوات العملية. وفي حين من المتوقع أن تنتهي الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف يوم غد الجمعة، على أن تستأنف بعد أسبوعين، ترجح المعارضة أن يكون تعليقها مستندا على جدول أعمال أو خطة واضحة لتنطلق منها الجولة المقبلة، إذا لم يحدث أي تغيرات في موقف النظام السوري. ويوم أمس، أعلن نصر الحريري رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات بعد اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن موضوع «الانتقال السياسي» بات الموضوع الرئيسي على طاولة العملية السياسية الجارية في جنيف. وقال في مؤتمر صحافي في مقر الأمم المتحدة في جنيف: «كانت هناك نقاشات بالفعل معمقة للمرة الأولى حول القضايا المطروحة في موضوع الانتقال السياسي استمعنا إليها من فريق السيد دي ميستورا»، من دون أن ينفي أن هذا الموضوع طويل وبحاجة إلى مفاوضات وجلسات معمقة أكثر، في حين يحاول وفد النظام إعطاء الأولوية لنقاط أخرى لتفادي التعامل مع القضايا السياسية بشكل مباشر، ويلجأ للعنف على الأرض لإفساد المحادثات. وأوضح «سمعنا من دي ميستورا أنه بسبب الضغط الروسي، كان هناك قبول من النظام لتناول القضايا المطروحة في القرار الأممي 2254 ويهمنا منها تحقيق الانتقال السياسي». قائلا: «حتى هذه اللحظة لم يتم الوصول إلى أجندة واحدة نهائيا، لا زلنا في إطار الملاحظات والرد على الملاحظات». وقال المتحدث الإعلامي باسم الهيئة العليا أحمد رمضان، لـ«الشرق الأوسط»: «نجحت الضغوط الروسية، وبعد التصلب في موقف النظام السوري، في إخضاعه للقبول ببحث الانتقال السياسي، وذلك بعد لقاء وفده بنائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف»، واصفا هذا الموقف بأنه «انتصار» للمعارضة التي تمسكت بموقفها الرافض لبحث أي موضوع سوى الانتقال السياسي والقرار 2254، معتبرا ما حصل بأنه نافذة ولو جزئية في جدار أزمة المباحثات. وبعدما كان الخلاف بين الهيئة العليا ودي ميستورا حول أولوية البحث في «السلة الثلاثية»، لفت رمضان، إلى أن هذا الأمر لم يتضح لغاية الآن، علما بأن المبعوث الأممي كان يطرح فكرة بحث الانتقال السياسي في موازاة مناقشة الدستور والانتخابات، بينما تمسكت الهيئة بضرورة الانتهاء من النقطة الأولى للانتقال إلى القضايا الأخرى. في المقابل، أشارت مصادر مطلعة على المباحثات، أن النظام حاول التوصل إلى صيغة يضع بموجبها بحث الإرهاب مع بحث الانتقال السياسي والسلة المطروحة، لكن هذا الأمر قوبل برفض المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، معتبرا أن القبول به سيفتح الباب أمام الطرفين لإضافة شروطهما وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر. وفيما رأى رمضان، أنه إذا لم يحدث أي تغيرات في موقف النظام قد يرتكز البحث يومي الخميس والجمعة على وضع جدول أعمال ليكون أرضية يتم الانطلاق منها في الجولة المقبلة التي من المتوقع أن يكون موعدها بعد أسبوعين. واستكملت يوم أمس اللقاءات بين الأطراف المعنية في جنيف، إذ عقدت الهيئة العليا اجتماعا مع دي ميستورا وآخر مع نائب وزير الخارجية الروسي، ومن جهة أخرى اجتمع وفد النظام مع المبعوث الأممي. وأشار رمضان إلى أن البحث مع غينادي غاتيلوف ارتكز حول الالتزامات الروسية في أنقرة وآستانة والفيتو في مجلس الأمن، أول من أمس، إضافة إلى عدم تثبيت وقف إطلاق النار واستمرار قصف طيران النظام والروسي على مناطق سورية. وفي هذا الإطار، قال نصر الحريري في مؤتمره الصحافي، رداً على سؤال حول اللقاء مع الجانب الروسي «إن ملف العلاقات مع روسيا بدأ منذ اجتماعات أنقرة مع الفصائل المعارضة في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على الرغم من أن الروس لم يقوموا بدورهم الواضح بالحفاظ على وقف إطلاق النار بسبب عدم قدرتهم على ضبط الميليشيات الإيرانية». وأكد على أن اللقاء مع الروس يأتي من أجل الشعب السوري، وبغية التركيز على القضايا الإنسانية بالإضافة إلى المسألة السياسية. كما شدد الحريري على أن النظام يستخدم الوقت لقتل المزيد من الشعب السوري، مشيراً إلى أن نحو مليون سوري قتلوا في سوريا خلال السنوات الست الماضية. وحول مسألة الإرهاب، قال: «نحن ضد كل أنواع الإرهاب، من جبهة النصرة إلى إرهاب النظام والميليشيات الإيرانية». وسأل «من يقتل الإرهابيين في سوريا، من يطلق البراميل المتفجرة؟» وأضاف: «من يريد محاربة الإرهاب فليقبل البحث في مسألة الانتقال السياسي، وإن كان هناك رئيس يفكر بمصلحة شعبه فليترك للشعب مسألة الاختيار والانتقال السياسي». ومنذ بدء مسار التفاوض في سوريا، تصر المعارضة على بحث الانتقال السياسي الذي يتضمن بحسب رؤيتها وهي، تأليف هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات كاملة من دون أي دور لرئيس النظام بشار الأسد، فيما يطالب الأخير بالتركيز على القضاء على الإرهاب كمدخل لتسوية النزاع المستمر منذ ست سنوات. وأدى ذلك الاختلاف الكبير بين الطرفين إلى انتهاء جولات التفاوض السابقة من دون أن تؤدي إلى أي نتيجة. وطالب رئيس وفد النظام بشار الجعفري منذ بداية الجولة الرابعة الحالية بجعل «الإرهاب» أولوية على طاولة التفاوض. وصرح نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف الثلاثاء إثر لقائه الجعفري أن الأخير «ليس ضد جدول الأعمال المقترح» لكنه يريد إضافة الإرهاب إليه.
مشاركة :