نجحت موسكو في خلق جغرافيا جديدة من شأنها فرملة مخططات تركية في شمال سوريا، إذ أعلنت فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن في بيان أمس اتفاقها مع روسيا على «تسليم» الجيش السوري عدداً من القرى الواقعة على تماس مع مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل المعارضة القريبة منها، في وقت استكمل الجيش السوري سيطرته الكاملة على مدينة تدمر بعد طرد تنظيم داعش منها. ويأتي إعلان قوات سوريا الديمقراطية المفاجئ والأول من نوعه لناحية تسليم مناطق إلى دمشق، بعد معارك خاضتها هذه القوات الأربعاء ضد القوات التركية والفصائل المعارضة المنضوية في حملة «درع الفرات» شرق مدينة الباب في ريف حلب الشرقي. وأعلن المجلس العسكري لمنبج وريفها المنضوي في صفوف قوات سوريا الديمقراطية في بيان «نعلن أننا قد اتفقنا مع الجانب الروسي على تسليم القرى الواقعة على خط التماس مع درع الفرات.. إلى قوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية». والقرى المعنية، وفق البيان، «محاذية لمنطقة الباب» التي تمكنت القوات التركية والفصائل المعارضة من السيطرة عليها الخميس الماضي بعد طرد عناصر داعش منها. كما تقع غرب مدينة منبج القريبة من الحدود التركية. حماية ومن المقرر وفق الاتفاق، أن تتولى قوات النظام السوري «مهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي ودرع الفرات». وأدرج مجلس منبج العسكري قراره في إطار «حماية المدنيين.. وحفاظاً على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية». وبعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق، هددت تركيا بضرب المقاتلين الأكراد في حال لم ينسحبوا من منبج التي تقع شمال شرق الباب وتبعد عنها نحو 45 كيلومتراً. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو لصحافيين «قلنا من قبل إننا سنضرب وحدات حماية الشعب الكردية إذا لم تنسحب من منبج». وقال القيادي في حملة «درع الفرات» أحمد حسن «هدفنا العسكري بعد تحرير الباب هو التوجه إلى مدينة منبج والسيطرة عليها والتجهيز لمعركة الرقة». وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية، ائتلاف فصائل كردية عربية تدعمه واشنطن، أمس من استــــعادة قريتي تل تورين والقارة الواقعتين شرق مدينة الباب غداة تمكن فصائل سورية معارضة تدعمها أنقرة من السيطرة عليهما، بحسب المرصد السوري. عملية على جبهة أخرى، علن الكرملين أن الجيش السوري استكمل عملية استعادة مدينة تدمر الأثرية في وسط سوريا من أيدي تنظيم داعش بإسناد جوي روسي. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف لوكالات أنباء روسية إن وزير الدفاع سيرغي شويغو أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين باستكمال العملية. من جهته، قال المرصد السوري إن تنظيم داعش انسحب بشكل كامل من تدمر. وأضاف مدير المرصد رامي عبد الرحمن أن «الجيش السوري ما زال يعمل على تنظيف الضواحي من الألغام». وأكد أن التنظيم انسحب من مطار تدمر المجاور للمدينة. جنيف والإرهاب دبلوماسياً، قالت وكالة الإعلام الروسية إن الخارجية الروسية اتهمت الهيئة العليا السورية للمفاوضات بإفساد محادثات السلام في جنيف. وقالت الوكالة إن الناطقة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا قالت إن موسكو تشكك في قدرة الهيئة على إنجاز اتفاق سلام. وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نقلت الأربعاء عن مصدر مقرب من الوفد الحكومي في جنيف أن المحادثات مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا «توجت بالاتفاق على أن الجدول يتضمن أربع سلّات تتساوى في الأهمية وهي الإرهاب والحكم والدستور والانتخابات». إلا رئيس بعثة الهيئة العليا للمفاوضات المعارضة يحيى قضماني أكد «رفض إضافة سلة الإرهاب إلى السلل المطروحة». وبدأ دي ميستورا مباحثاته أمس بلقاء وفد منصة القاهرة التي تضم شخصيات معارضة مستقلة بينها الناطق السابق باسم الخارجية جهاد المقدسي. وقال عضو الوفد فراس الخالدي بعد الاجتماع «قلنا له (دي ميستورا) إن كنت تريد طرحها (سلة الإرهاب) فلا مانع لدينا ولكن نظنّها ستعرقل المفاوضات ونفضل أن يكون مكانها أستانة». وأشار إلى ضرورة أن يتم نقاشها «في إطار واضح ومحدّد. فالإرهاب ليس داعش فقط، بل البراميل إرهاب وقمع المدنيين وحصارهم من أي طرف إرهاب». حي الوعر قالت وحدة الإعلام الحربي لحزب الله اللبناني المتحالف مع دمشق إن طائرات الجيش السوري وجهت أمس ثماني ضربات في حي الوعر الذي تسيطر عليه المعارضة في حمص. وأوضحت أن الضربات الجوية استهدفت جماعات متشددة وألحقت إصابات بأفرادها. وكان انتحاريون خرجوا من الحي فجروا أنفسهم بمقرين أمنيين في حمص ما أدى إلى مقتل العشرات. «لؤلؤة الصحراء» يعود تاريخ مدينة تدمر المعروفة بـ«لؤلؤة الصحراء» في وسط سوريا على بعد 210 كيلومترات شمال شرقي دمشق إلى أكثر من ألفي سنة. وبعدما سيطر تنظيم داعش على المدينة بين مايو 2015 ومارس 2016، عاد واستولى عليها في ديسمبر 2016. لكن نتيجة هجوم تشنّه قوات النظام بدعم جوي روسي، فر مقاتلو التنظيم من «عروس البادية» كما تلقب أيضاً. واشتهرت هذه الواحة الواقعة في قلب بادية الشام بأعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملكية الشاهدة على عظمة تاريخها. التوابل والحرير ورد اسم مدينة تدمر للمرة الأولى في مخطوطات مملكة ماري في الألفية الثانية قبل الميلاد بحسب موقع اليونسكو، عندما كانت واحة لعبور القوافل وإحدى محطات طريق الحرير بعد سقوطها تحت سيطرة الرومان في النصف الأول من القرن الأول الميلادي وإعلانها ولاية رومانية. وأصبحت مدينة مزدهرة على الطريق التي تربط بلاد فارس بالهند والصين والإمبراطورية الرومانية بفضل تجارة التوابل والعطور والحرير والعاج من الشرق والتماثيل وصناعة الزجاج الفينيقية. وقالت مارييل بيك، التي تدير قسم الآثار الشرقية في متحف اللوفر بباريس في مايو 2015، إن المدينة «بنيت وفق هندسة غربية، مع ساحة أغورا (سوق) وشوارع كبيرة ومسرح ومعابد حتى أمكن مقارنتها بروما». الملكة زنوبيا عرفت المدينة أوج ازدهارها في القرن الثالث في ظل حكم الملكة زنوبيا التي تحدّت الإمبراطورية الرومانية. وفي عام 267 بعد الميلاد، اغتيل الملك العربي أذينة، وتولت الحكم بعده زوجته زنوبيا التي بسطت سيطرتها على بلاد الشام في عام 270، واجتاحت مصر وأرسلت قواتها وصولاً إلى البوسفور، قبل أن يطيح بها في 272 الإمبراطور الروماني أوريليان الذي استعاد تدمر واقتاد زنوبيا إلى روما. سجن تدمر في ثمانينيات القرن الماضي، وفي ظل حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، قُتل مئات المعتقلين في سجن تدمر الذي شكّل أحد رموز القمع الذي مارسه النظام السوري. ومن يوليو حتى أكتوبر 2015، قام تنظيم داعش المعروف بسوابقه في تدمير وجرف الآثار في مواقع أخرى استولى عليها، بأعمال تخريب عدة، فدمر تمثال أسد أثينا الشهير عند مدخل متحف تدمر، كما دمر معبدي بعل شمين وبل بالمتفجرات.
مشاركة :