أدين للإذاعة بكثير من المعارف والعلوم والثقافة التي حصلت عليها مبكراً منذ بدأت أستنشق الأوكسجين الثقافي الذي كان يبثه جهاز الراديو الذي لم تكن تخلو منه غرفة من غرف بيتنا آنذاك! ومنذ أن استقرت إبرة الراديو على تردد إذاعة البرنامج الثاني من جدة، في إحدى الليالي المقمرة، فقد أصبحت هذه الإذاعة جزءاً أساسياً من يومياتي، هكذا!، وارتبطت بوجداني إلى يومنا هذا الذي تشهد فيه، للحسرة، ارتداداً محزناً في مستواها وقيمها المهنية، حتى أنني بتّ أفكر الآن بأن حلمي القديم في أن أصبح مخرجاً إذاًعياً، يجدر بي السعي في تحقيقه فوراً، على الأقل حتى أصلح بعض الأخطاء الفاضحة التي تتضمنها برامج الدراما، على وجه الخصوص، والتي تملأ ساعات البث اليومية، وتملأ، أيضا، رأسي ومشاعري بالغضب والغيظ وصرخات الاحتجاج! طبعاً، لم تكن إذاعة البرنامج الثاني يوماً أفضل الإذاعات، لكنها لم تكن في هذا المستوى المتجمد الذي وصلت إليه في زمن يفترض أن يكون هو بالذات زمن النمو!، بل إن هذه الإذاعة تبدو وسط شبكة الإذاعات العربية، إذاعة شائخة ولا تستطيع أن تعبر حتى عن نفسها ! ناهيك عن أن تكون الإذاعة الثقافية للمملكة كما أريد لها! وطبعاً لا تخلو خارطة البرنامج الثاني من استثناءات مقبولة، لكن هذه الإذاعة، بعامة، تنازلت، للحسرة، عن كثير من المعايير المهنية في العمل الصحافي والإعلامي بعامة، ولم تعد تقدِّم لنا ذلك النموذج المحلي الذي استطاع، على مدى سنوات، أن يكون وجهتنا الإذاعية الأولى (أو هكذا يُخيّل إليّ الآن!)،على الرغم من إغراءات صباحات سامي كليب المشرقة في مونت كارلو، وفترة الظهيرة المنعشة في إذاعة الشرق، وسهرات «صوت العرب» التي لا تُنسى! إذاعة البرنامج الثاني من جدة ! انتهى إرسالنا لهذا اليوم ! وداعاً!
مشاركة :