السمنة في الخليج: دق ناقوس الخطر

  • 4/23/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كثيراً ما نقرأ عن السمنة ونبحث في الأسباب والعوامل المؤدية إليها، فلم تعد السمنة مجرد زيادة وزن فحسب، بل مرض يهدد حياة الإنسان في مختلف مناطق العالم، ولعل منطقة الخليج تسجل نسبة إصابات عالية في السمنة وفقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية. وتشير الدراسات العلمية إلى أن مؤشر زيادة الأشخاص المصابين في السمنة يسجل ارتفاعاً مضطرداً ما يشكل هاجساً لدى الباحثين والأطباء للوقوف على الحلول والخطط التي من شأنها الحد من خطر هذه المشكلة. آثار صحية واقتصادية في دراسة علمية أجراها خبراء مدرسة «لندن للصحة وطب أمراض المناطق الاستوائية» كشفت أن المصابين بالسمنة يستهلكون كمية من السعرات الحرارية تزيد بنسبة 20 % عن المعدل الطبيعي لاستهلاك الفرد العادي، مما يضاعف من معدلات الطلب على الغذاء ويحرم بعض سكان العالم من الحصول على حصتهم من الطعام، وفي الوقت نفسه يعتمد الأشخاص البدناء على وسائل المواصلات بصورة أكبر من غيرهم وزيادة في استهلاك الوقود الأمر الذي يترك أثره السلبي على البيئة، ما يعني أن للسمنة آثاراً صحية وبيئية واقتصادية. وقد جاءت هذه الدراسة الحديثة بالتزامن مع دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية حذرت فيها من ارتفاع عدد الذين يعانون من السمنة في العالم إلى أكثر من الضعف خلال السبع سنوات القادمة، فمن المتوقع أن يصل عددهم إلى 700 مليون نسمة بحلول عام 2015. وتنطوي هذه الدراسة أيضاً على المجتمعات العربية التي باتت السمنة خطراً يهدد حياتها، إذ يمثل البدناء نحو 50 % من سكان الوطن العربي، وأن معدلات انتشار السمنة بمنطقة الخليج تعد الأعلى، حيث تأتي الكويت في الصدارة بنسبة 44 % للنساء و32% للرجال ثم المملكة العربية السعودية بنسبة 18 % بين الرجال و28 % بين النساء، وفي الإمارات 16 % للرجال و38 % للنساء... هذه النسب تجعلنا ندرك مخاطر السمنة التي تفتك بمجتمعاتنا دون أن نعي آثارها التي تنعكس على الصحة العامة. ترتبط السمنة بالعديد من الأمراض التي لم تكن في بداية القرن الماضي منتشرة بما عليه اليوم، فالسكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، وأمراض التنفس والجهاز الهضمي باتت أمراضاً ملازمة للمصابين بالسمنة، ففي الكويت على سبيل المثال تحتل المرتبة التاسعة في الإصابة بالسكري وعلى الرغم من الحملات التوعوية والبرامج الصحية إلا أنه يشكل نسبة إصابة كبيرة بين السكان من الكبار والصغار وكذلك بالنسبة لارتفاع الضغط والكوليسترول وآلام المفاصل. كما أصبح التوجه العام للعمليات الجراحية للتخلص من السمنة بعد أن كانت برامج الحمية والرياضة حلولاً نافعة... فالسمنة والحمية والجراحة، كلمات متداولة كثيراً اليوم في لقاءاتنا إذ يجد البعض فيها ملاذاً من معاناته من السمنة. مؤشرات ومخاطر يوضح الدكتور علي سيد أحمد الموسوي، استشاري جراحة عامة وأورام ومناظير وسمنة مفرطة، أن أسباب السمنة متعددة وتراكمية وأن مؤشرات السمنة تكشف عن الإصابة بها بشكل مباشر، ما يستدعي إعادة نمط حياتنا وتغير عاداتنا وسلوكياتنا بشكل صحيح. للوقوف على الأسباب الكامنة وراء السمنة ومخاطرها التقينا د. علي الموسوي، الذي بدأ حديثه قائلاً: هناك عدة مؤشرات للسمنة منها مؤشرات اجتماعية تتمثل في المظهر العام ويلاحظ من قبل الأسرة والمجتمع وكذلك شعور الشخص البدين بالخجل من الظهور، ومؤشرات طبية تقوم على حساب معدل كتلة الجسم وهي معادلة تقسيم الوزن على مربع الطول فمثلاً معدل كتلة الجسم، أما المؤشرات الإعاقية تكمن في صعوبة المشي لمسافة طبيعية يقطعها الإنسان العادي أو عدم القدرة على التنفس بشكل طبيعي أثناء النوم والاختناق، أو الإصابة بالسكري أو الكوليسترول أو ارتفاع الضغط أو خشونة الركبة. وعن أسباب انتشار السمنة في دول الخليج يقول د. الموسوي إن هناك أسباباً تتعلق بقلة الحركة بسبب الرفاهية الزائدة وسهولة الحصول على سيارة، وهناك أسباب لها علاقة بنوعية الطعام وانتشار مطاعم الأكلات السريعة وسهولة الحصول على وجباتها الدسمة، إضافة إلى طبيعة مجتمعنا وإقامة الولائم والمآدب في المناسبات، وأيضاً هناك أسباب تتصل بالتربية والتوعية داخل الأسرة واضطرابات الهرمونات والعامل الوراثي. العمليات الجراحية عن الطريقة المثلى للتخلص من السمنة سواء جراحياً أو غذائياً يقول د.علي الموسوي: تعتمد كل طرق التخلص من السمنة على مدى رغبة وجدية الشخص في التخلص من هذه المشكلة، فعادة نخضع المريض لفترة ٦ شهور مع اختصاصي تغذية وننصحه بممارسة الرياضة، وأحياناً نعرض المريض على معالج نفسى لتغيير سلوكه في الأكل وتدريبه على اختيار الأطعمة وكيف ومتى يأكل. أما التدخل الجراحي فيتم بعد فشل هذه الطرق خاصة مع الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة؛ بمعنى أن معدل كتلة الجسم من 35 وما فوق ومن أمراض مصاحبة لها مثل السكري والكوليسترول وغيرها. تجري العملية الجراحية من عمر 12 إلى 65 سنة بعد إجراء الفحوصات ودراسة الحالة. وتعد عملية التكميم من أكثر العمليات المعتمدة والأكثر شيوعاً وكذلك تحويل المسار والحلقة. وبالنسبة إلى بالونة المعدة لا تعتبر عملية جراحية وهي ليست لحالات السمنة المفرطة بل الوزن الزائد. وما أود التأكيد عليه أن العملية الجراحية لا تعني عدم زيادة الوزن فمن الضروري الالتزام بأسلوب غذائي صحي بعد العملية وهذه خطوة مهمة باعتبار العملية علاجية وليست تجميلية. المرأة والسمنة أما الأسباب التي تجعل نسبة إصابة المرأة بالسمنة أكثر من الرجل بالإصابة بالسمنة يقول د. علي الموسوي: لو تحدثنا عن المرأة في منطقة الخليج نجد أنها أكثر عرضة للإصابة بالسمنة وذلك للطبيعة الفسيولوجية والجسدية وأيضاً النفسية، حيث تمر بفترات حمل وتغيرات هرمونية قد تسهم في زيادة الوزن، كما أن بعض النساء يقضين الوقت بالمنزل دون حركة أو نشاط، وأحياناً تجد المرأة ملاذها بالأكل عندما تمر بحزن أو كآبة وقلق. إن أفضل طريقة للحفاظ على وزن مثالي اعتماد نشاط رياضي يومي وبرنامج غذائي صحي متوازن والابتعاد عن الوجبات السريعة. كما أن تناول الطعام عند الشعور بالجوع وعدم الشعور بالشبع كلياً بعد الوجبة عامل مهم في الحفاظ على الوزن والصحة. ويرى د.علي الموسوي أن اهتمام الجهات المعنية وتنظيم حملات توعية أمر مهم في الحد من السمنة باعتبارها مسؤولية مجتمعية ولا بد من تكاتف الجهود جميعها في سبيل مجتمع واعٍ ومثقف صحياً ويقول: لا بد من تشديد الرقابة على مطاعم الوجبات السريعة وإخضاعها للفحوص الغذائية وفقاً للقوانين الصحية، كذلك توعية الأطفال في المدارس بالتغذية الصحية وأهمية النشاط البدني وكيفية اختيار الأطعمة الصحية قليلة السعرات الحرارية. كما يجب على الجهات المعنية تجديد اللوائح ووضع ضوابط على جراحات السمنة وعقد الندوات العلمية في حضور المتخصصين والمرضى كنوع من المعرفة والتوعية. بين الحمية والجراحة أن اتخاذ قرار بأجراء عملية جراحية للتخلص من السمنة يتطلب دراسة مفصلة للحالة والأسباب، فالبعض يجد ضالته في هذه العمليات كحل سريع عن الحمية والرياضة. تقول أسماء النوري: كان لا بد من إجراء العملية الجراحية بعد أن وصل وزني إلى 145 كيلوجراماً، حيث كانت بداية السمنة بعد ولادة ابني الثاني ولاحظت زيادة كبيرة في الوزن ولم استطع إنقاصها فخضعت للعملية الجراحية وتغير المسار وفقدت 70 كيلوجراماً ومع مواظبة الرياضة بعد 4 شهور من العملية وتناول وجبات صحية استطعت التخلص من 3 كيلوجرامات وشعرت بالفرق في الحركة والنشاط وأيضاً توازن أعضاء الجسم. وتعبر منى أحمد عن رأيها بالعملية الجراحية وتقول: أفضل برامج الحمية التي تؤمن للجسم صحة وقوة ونشاط دون التدخل الجراحي فالعملية مهما تكن لها إيجابيات وسلبيات. والسمنة لا تظهر بشكل مفاجئ فهناك أسباب وراءها خاصة في الكويت أو منطقة الخليج بشكل عام، حيث نمط الحياة والرفاهية وقلة الحركة في ظل الطقس وحرارة الجو. ويقول مساعد العنزي إن طبيعة الحياة في الخليج تساعد على قلة الحركة فنجد السمنة بين النساء والرجال مرتفعة، كما أن توافر المطاعم بأنواعها كافة والمقاهي وانتشارها يساعد على الأكل فقد أصبحت الراحة وتغير الجو يتمثلان في الخروج إلى المولات والمجمعات التجارية وتناول الطعام خاصة أن الوجبات تكون ملأى بالدهون والنشويات والسكريات. ويؤكد على أن التوازن أمر مطلوب بين ما نتناول من كمية ونوعية طعام وما نبذل من مجهود وحركة وبذلك لا نقع في السمنة. من جانبه يرى عبدالحميد الراشد أن العمليات الجراحية أصبحت موضة لدى البعض باعتبارها طريقة سريعة للتخلص من الوزن الزائد وهذا يعود إلى الحملات الإعلانية التي تنشرها بعض مراكز الطب وسهولة العرض للقيام بالعملية، ويقول: بعض الحالات تتطلب تدخل جراحي وهذا أمر متفق عليه، ولكن في حال كانت الزيادة بعض الكيلوجرامات ما المانع من اتباع حمية وبرنامج رياضي!! فالملاحظ اليوم أصبح هناك «سوق تنافسية» بين المراكز الصحية لإجراء العمليات الجراحية الخاصة بالسمنة وهذا يتطلب إعادة نظر في عمل المراكز. موجهات منظمة الصحة العالمية تبيّن الإستراتيجية العالمية بشأن النظام الغذائي والنشاط البدني والصحة، التي وضعتها منظمة الصحة العالمية واعتمدتها جمعية الصحة العالمية في عام 2004، الإجراءات اللازم اتخاذها لدعم اعتماد نظم صحية وممارسة النشاط البدني بانتظام. وتناشد الإستراتيجية جميع أصحاب المصلحة اتخاذ إجراءات في هذا الشأن على الصعيد العالمي والصعيدين الإقليمي والمحلي، وترمي إلى الحد بشكل كبير من انتشار الأمراض المزمنة وعوامل الأخطار الشائعة المرتبطة بها، وبخاصة النظام الغذائي غير الصحي والخمول البدني. ويدخل العمل الذي تؤديه منظمة الصحة العالمية في مجالي النظام الغذائي والنشاط البدني ضمن الإطار الإجمالي الخاص بالوقاية من الأمراض المزمنة ومكافحتها، الذي وضعته إدارة الأمراض المزمنة وتعزيز الصحة. والأغراض الإستراتيجية التي تنشدها الإدارة هي: الدعوة إلى تعزيز الصحة وإلى الوقاية من الأمراض المزمنة ومكافحتها؛ والعمل على تعزيز الصحة، خاصة صحة الفئات الفقيرة والمحرومة؛ والحد من تسارع الاتجاهات السلبية لعوامل الأخطار الشائعة المؤدية إلى الإصابة بأمراض مزمنة، وعكس تلك الاتجاهات؛ وتوقّي الوفيات المبكّرة وحالات العجز التي يمكن تجنّبها التي تحدث جرّاء الأمراض المزمنة الرئيسية. وتتمثّل الأغراض الإستراتيجية التي تتوخاها هذه الإدارة في تشجيع النُظم الغذائية الصحية وتحسين حالة السكان الغذائية طوال العمر، خاصة لدى الفئات المستضعفة. ويتسنى ذلك من خلال توفير الدعم اللازم للبلدان لتمكينها من وضع وتنفيذ سياسات وبرامج غذائية متعددة القطاعات من أجل التصدي للعبء المزدوج الناجم عن اعتلال الصحة بسبب سوء التغذية، فضلاً عن الإسهام في بلوغ المرامي الإنمائية للألفية.

مشاركة :