الصيرفة الإسلامية والاستقرار المالي

  • 3/6/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شهادة دولية أخرى تحظى بها الصيرفة الإسلامية على تعاظم أهميتها ودورها في التنمية المستدامة، ونعني بها قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الذي أعلنه الأسبوع الماضي بشمول الصيرفة الإسلامية ضمن إطاره الرقابي لما بات لهذه الصناعة من أهمية في الاستقرار المالي في الدول التي تمارس فيها، كما أننا نعتبر هذا القرار امتدادا لاعتماد قمة مجموعة العشرين التمويل الإسلامي في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم. صحيح أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية إلا أنها موجودة في أكثر من 60 بلدا بأصول ناهزت 1.5 تريليون دولار، وأصبحت ذات أهمية نظامية في 14 منها (15% وأكثر من الأصول المصرفية). لذلك، نظرًا إلى التنامي السريع للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والطابع المعقد فإنها باتت تسهم إسهاما رئيسيا في الشمول المالي والتنمية المستدامة، ومن ثم بات لزاما على السلطات الرقابية والبنوك المركزية أن تهتم بصورة أكبر بدراسة وتصميم دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي. وابتداء يمكن الإشارة إلى أن التفاتة صندوق النقد الدولي إلى الصيرفة الإسلامية ودورها في الاستقرار المالي جاءت متأخرة نوعا ما؛ فمنذ تفجر الأزمة المالية العالمية عام 2008 كتبنا عدة مقالات أشرنا فيها إلى ظاهرة صمود الصيرفة الإسلامية بوجه الأزمة في مقابل انهيار العشرات من البنوك التقليدية؛ وذلك نظرًا إلى الاختلاف الكبير في منهجية وأساسيات عملهما، كذلك طبيعة الأنشطة والممارسات التي يزاولانها. وهذه الظاهرة تقود مباشرة إلى الاستنتاج بقدرة الصيرفة الإسلامية على حماية الاستقرار المالي العالمي بصورة تفوق قدرة البنوك التقليدية، التي على العكس زاولت أنشطة وتاجرت في منتجات أثبتت أنها تمثل أكبر خطر على الاستقرار المالي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى جاءت التفاتة الصندوق متأخرة لأن المؤسسات المالية المعنية بالصيرفة الإسلامية مثل (أيوفي) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية والمجلس العام للبنوك الإسلامية والبنك الإسلامي للتنمية بالتعاون مع البنوك المركزية العربية والإسلامية عملت منذ سنوات طويلة على ترشيد وتعزيز دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي في الدول التي تمارس فيها، وشهدنا تطوير كثير من الأدوات المالية الإسلامية التي باتت جزءا من أدوات الاستقرار المالي التي تمارسها البنوك المركزية من خلال نوافذ السيولة الإسلامية مع البنوك المحلية في هذه الدول، كما التزمت البنوك المركزية بتطبيق جميع الأدوات الاحترازية التي أوصت بها لجنة بازل فيما يخص الاستقرار المالي على البنوك الإسلامية؛ مثل نسبة كفاية رأس المال، ومخصصات القروض، ونسبة الديون إلى رأس المال، ومتطلب الاحتياطي، والحد الأقصى للتمويل، ونسبة الدين إلى الدخل، ونسبة القروض إلى الودائع، ومتطلبات السيولة، إضافة إلى حجم الانكشاف على العميل الواحد وغيرها من الأدوات. وتوضح البيانات أن البنوك الإسلامية متفوقة في الالتزام بهذه الأدوات بالمقارنة بنظيراتها التقليدية. إن الاستقرار المالي بمفهومه العام يشمل جميع مكونات النظام المالي من مؤسسات مالية (مصارف وشركات تأمين وصناديق استثمار.. إلخ) وأسواق مالية، علاوة على البنية التحتية والسياسات والتشريعات وغيرها. وبقدر تعلق الأمر بعلاقة البنوك الإسلامية بهذه المكونات يمكننا أن نلاحظ أولا أن الصيرفة الإسلامية أكثر استقرارا؛ لأنها تستند إلى مجموعة من الضوابط، مثل مشاركة المدخرين (المستثمرين) والمساهمين (المالكين) في المخاطرة لتجنب الأزمات ومنع المتاجرة في المشتقات المالية، وارتباط التدفقات النقدية بالتدفقات السلعية والخدمية الناتجة عن اقتصاد حقيقي، بما يحقق زيادات متوازنة للعرض والطلب، كذلك منع بيع ما لا يملك وتحريم أي عقود تقوم على الربا والغرر، ما يحقق تخفيض تجنب الأسواق المجازفات والمضاربات العبثية. وثانيا أن المنتجات المالية الإسلامية تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية، بحيث تكون قادرة على تلبية احتياجات اقتصادية حقيقية لأفراد ومؤسسات المجتمع وليس المضاربات الوهمية التي تخلق عدم الاستقرار. وتشمل المنتجات المصرفية الإسلامية التمويل التشاركي ويشمل صيغا منها المشاركة والمضاربة، والتمويل التجاري ويشمل صيغا منها المرابحة والسلم، والتمويل التأجيري ويشمل صيغا منها الاستصناع والإجارة وغيرها من الصيغ. ثالثا تخضع عمليات التمويل والاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية لمجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تجعلها أكثر كفاءة وفعالية من حيث صلتها بالاستقرار المالي، مثل إطار السلامة الشرعية وأن تكون مسؤولة اجتماعيا، إلى جانب سلامتها من الناحية المالية والاقتصادية. وعلى أي حال، نحن نعلم أن البحث في طبيعة وهياكل المنتجات التمويلية والاستثمارية الإسلامية وعلاقة هذه الطبيعة والهياكل بالتأثير سلبا أو إيجابا على الاستقرار المالي هو موضوع شائك وليس مكانه في هذه المقالة، وهو بالفعل بحاجة إلى مزيد من البحث والتحليل والتأطير للوصول إلى تصميم سياسات وأطر تنظيمية ومنتجات تحقق دورا أكبر للصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي. ولا شك أن دور صندوق النقد الدولي سوف يكون فاعلا ومكملا للأدوار التي تقوم بها المؤسسات المالية الإسلامية المتخصصة والبنوك المركزية. رئيس جمعية المصارف في البحرين رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا

مشاركة :