الأخلاق وتجريم الطائفية - مقالات

  • 3/7/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من المعلوم أن ليس كل الناس تدرك خطورة الطائفية على المجتمعات والأمم رغم معايشتها لأزمات الطائفية البغيضة. بل إن التاريخ يحكي قصص تداعيات الطائفية التي سادت دولا مسلمة أو مسيحية أو من أعراق أخرى اتخذت الدين وسيلة للخلاف والحروب. ولم تتوقف النزاعات الدموية على الدين وإنما أيضاً كانت القبيلة والحكم والثروة دوافع مأسوية للدمار والضياع.إقليمنا العربي الإسلامي مثال لاستدامة الطائفية، وخاصة تجهيز عقول الشباب للصدامات الدموية باسم الدين، واعتبار ذلك عملاً مشروعاً في الدين يكسب فاعله الثواب. الكثير من الشباب تم زجهم في متاهات غسيل الدماغ، واستغلالهم للتطرف والعمليات الإرهابية التي مازال العالم يعاني من دمويتها.الطائفية آفة ومرض عضال، إذا تمكن من العقل فإن الرحمة والمحبة والإخاء، يحل محلها العنف والتفجير، فلا أحد يقدر على وقفها لأنها تأصلت في الذات ووصلت إلى العروق.إن أبرز مثال لآفة الطائفية ما حصل ويحصل في العراق، حضارة الرافدين التي امتدت لقرون منذ فجر التاريخ عندما أقامت مجموعات من الشعوب القرى والمدن، واختلطت في ما بينها مكونة حضارة مميزة. هذه الحضارة كانت النواة لعراق عظيم اتسم بتاريخ وتراث وثقافة انتقلت إلى بقاع أخرى من الأرض. فالمجتمع العراقي نسيج من طوائف مختلفة عاشت على أرض واحدة، وساهمت في النهضة منذ التكوين الحضاري للدولة متآلفة لا يفرقها شيء.ماذا حدث لأرض الرافدين الذي عاش بعيداً عن الطائفية وأصدر قانون تجريم الطائفية استمر حتى عام 2003 ليدخل العراق في نفق الطائفية فيتدمر كل شيء وعلى نحو لا يعرف كيف يتخلص من آلامه لا في حاضره ولا في مستقبله؟فرغم تجريم الطائفية تظل الناس تمارس الكراهية وازدراء الأديان، مما يعني أن قانون التجريم ليس هو الأداة الوحيدة التي تمنع الطائفية، أي أن التجريم لا يكون بالقانون فقط، وإنما لا بد من التربية والأخلاق، والتنشأة الاسرية الصحيحة، والدور المسؤول لقطاعات التعليم والإعلام والمسجد وغيرها.المعروف أن من خصائص الطائفية عدم قبول الآخر، والتفرقة بين الناس على أساس المذهب والقبيلة والرأي والمكانة السياسية والاجتماعية. فعدم قبول الآخر يعني ترسيخ ثقافة رفض الآخر والكراهية له لأنه مختلف في الفكر والمعتقد، وبالتالي يكون التوجه نحو حرمانه من حقوقه والتخلص منه نتائج عكسية للقبول بالرأي الآخر أو احترام الرأي المختلف.إن احترام الرأي الآخر يعني الإيمان بحق الآخر في الاختلاف، وهو أمر لن يتحقق من دون قبول الذات، أي إدراك الذات والتكيف مع الآخر، وإن الذات مهما علت وتسامت تظل لديها نقاط القوة والضعف، فلك ما تفكر فيه وتجده سبيلاً لهدفك مثلما للآخر هدف مختلف يشترك مع غيره في العوائق والإخفاقات، وأيضاً النجاحات... فلا ينبغي النظر للآخر بالدونية أوانه أقل كفاءة وقدرة أو أقل درجة تجعلك في أجواء الريبة باحثاً عن العيوب، كارهاً للآخر.لهذا فإن غرس المواطنة في قلوب الناس يمنع الإساءة والضرر، ويجنب الطائفية بين الناس، انطلاقاً من حب الوطن وصون المصالح، والمشاعر المرتبطة بالانتماء والتضامن، ونبذ الخلافات واحترام الرأي الآخر. فالمواطنة مفهوم أخلاقي عندما يضحي الفرد بنفسه من أجل غيره.فما أحوجنا اليوم إلى أن يكون الجميع شركاء في البناء، كل يساهم على قدر ما أوتي به من علم وقوة وتمكن. فقانون تجريم الطائفية رغم أهميته لن يكون الداء للدواء بقدر ما يكون للتربية والأخلاق تأثيرات بالغة على نبذ الطائفية، والتفرغ لبناء الوطن... إن نظرة سريعة لما يدور في إقليم الجوار تعكس أهمية الحاجة للعمل الجاد والتضامن لمنع ومكافحة الطائفية التي هي أساس البلاء في كل مكان.yaqub44@hotmail.com

مشاركة :