الصمت على من يقومون بتأجيج الطائفية وعدم محاسبة المتاجرين بها يعني المزيد من الصراع والحروب والقتل، وتأجيج الكراهية واستمرار الصراعات، وتدمير مقدرات الشعوب ومصادرها واستنفادها في صراعات خاسرة تؤدي إلى تدمير مستقبل الأجيال القادمة والعبث بمدخرات الشعوب، والدخول في سباق للتسلح الذي لا تستفيد منه إلا شركات صنع الأسلحة التي لا تتردد بتزويد جميع الأطراف ليقتلوا بعضهم البعض. ومن لا يزال في شك من هذا فليرجع إلى التاريخ وينظر كم من المسلمين قتلوا على يد مسلمين آخرين لأسباب طائفية، ويقارن ذلك بعدد من قتلوا على يد غير المسلمين، وعندها سيقتنع أن الطائفية أصبحت أكبر مشكلة تواجه شعوب المنطقة، وأن تجريم تأجيجها وإثارتها والحديث عنها أصبح ضرورة ملحة. فالمتأمل لحال دول منطقة الشرق الأوسط لا يحتاج إلى كثير من الأدلة والإثباتات والبراهين على تأكيد أن مشكلة هذه الأوطان تكمن في عقليات شعوبها، وفي تشبثهم بأوهام الماضي والانشغال باجترار الأحداث التاريخية، ومحاكمة العصر بأحداث مضت عليها قرون وتكبيل الأحياء وجعلهم رهائن لخلافات الأموات، وتقديمهم قرابين للتكفير عن أخطاء أصبحت في ذمة التاريخ. مشكلة هذه الشعوب تكمن في عقلياتها وليس في الأعداء والمؤامرات الخارجية كما يخدعون أنفسهم. فالانتشار السريع في وقتنا الحاضر للخطاب الطائفي والاصطفاف المذهبي بدأ يشكل خطرا واضحا على شعوب المنطقة، خصوصا بعد وصوله للمدارس والمنابر ووسائل الإعلام بشكل غير مسبوق، ويبدو أن تجّار الطائفية وجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الحديثة التي ساعدتهم كثيرا على إشعال نيران الطائفية، حتى أصبحت قضية كل شخص وكل أسرة تعيش في هذه المنطقة، التي أصبحت تعاني من تأجيج غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حتى أصبح بعض المسلمين على استعداد للتعايش مع أتباع الأديان الأخرى وليس على استعداد للتعايش مع مسلمين آخرين لأنهم ينتمون إلى مذهب آخر. تجريم تأجيج الطائفية وتكريس المذهبية أصبح أحد أهم متطلبات وضرورات التعايش في منطقتنا، وهو المخرج الوحيد للخروج من دائرة الصراع الخاسر، وهو أحد الشروط الأساسية للعيش في سلام. فنبذ الخلافات وتشجيع الحوار بين المذاهب الإسلامية خطوة جيدة ومطلوبة في هذه المرحلة التي أصبحت فيها النزعة الطائفية والمذهبية واقعاً تعيشه الدول العربية بشكل غير مسبوق. وأصبح من المهم العمل على إصدار تشريع أو ميثاق صادر من رابطة العالم الإسلامي أو ميثاق تتفق عليه أنظمة المنطقة وبشكل واضح وصريح يجرّم إثارة الطائفية ويجرّم تأجيج المذهبية، ويجرّم التمييز بين أبناء الشعب الواحد على أساس المذهب أو الطائفة، ويجرّم من يمارس أي شكل من أشكال العنصرية ضد الآخر أو ينشر الكراهية في المجتمعات. المجتمعات الإسلامية إن أرادت للأجيال القادمة العيش بسلام فعليها تجريم من لا هم لهم إلا التركيز على بث الفرقة بين المسلمين، وعليها محاربة الذين يربون أولادهم من المهد إلى اللحد على الكره والشك والريبة وسوء النية وتتبع الأخطاء وتفسيرها من منظور طائفي بحت. يجب أن نجرّم كل من يختزل الإسلام في شخصه ويخضعه لفهمه السقيم ثم ينطلق من هذا الفهم ينفخ في نار الفتنة، ويسكب زيت التعصب المذهبي على نار الفتنة الطائفية، وإن لم نفعل فإن النار ستأكل الجميع.
مشاركة :