الحكومات هي الموجّه الإعلامي أحيانا فمنها يصدر الخبر وبأمرها تجرى التغطيات الصحافية والفعاليات الإعلامية، وهي التي تقول هذا صحيح وذاك خطأ وهي التي تأمر بتسليط الضوء على ظواهر أو أشخاص وطمس أخرى.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/03/07، العدد: 10564، ص(18)] هل يحتاج الإعلامي والمؤسسة الإعلامية إلى خطّة عمل ومسار عام واستراتيجيا تقود أعمالها مع مرور الزمن؟ أم أن الأحداث والمتغيّرات وحدها هي التي تحدّد البوصلة؟ هو سؤال إشكاليّ من أسئلة عدّة تطرح واقع ومستقبل وسائل الإعلام في العالم العربي بشكل خاص. الحكومات هي الموجّه الإعلامي أحيانا فمنها يصدر الخبر وبأمرها تجرى التغطيات الصحافية والفعاليات الإعلامية، وهي التي تقول هذا صحيح وذاك خطأ وهي التي تأمر بتسليط الضوء على ظواهر أو أشخاص وطمس أخرى، هذا واقع عاشه الإعلام العربي عقودا طوالا ومايزال في قسم كبير منه خاضعا لنفس ذلك المنهج. في المقابل هناك “تمرّد إعلامي”، لامركزية إعلامية، أن تملك الوسيلة الإعلامية استقلاليتها الكاملة في معزل عن الحكومات، فهل هو حلم من أحلام اليقظة أم تراها حقيقة واقعة؟ لاشكّ أن مقولات (الحريّة الإعلامية) والتداول الحر للمعلومات من مصادر متنوّعة صارت مثل ترنيمة يرددها البلغاء كما عامة الناس، مجرّد أهزوجة تتغنى بها في غالب الأحيان منظمات وجمعيات ومؤتمرات عندما تريد مهاجمة بعض الحكومات أنها لا تتوخى معايير العمل الإعلامي الصحيحة. لكنّ الأمر الذي تجد المؤسسة الإعلامية نفسها في دوّامته هو كيف ترسم خارطة طريق لطواقمها الإعلامية ومحرّريها ما بين سهولة تامة في الوصول للحقائق والمعلومات تتيحها الوسائل الاتصالية الحديثة، وبين الإبقاء على النمطية السائدة وتقاليد العمل الإعلامي التي رسمتها الحكومات كابرا عن كابر؟ الإشكاليّة تتعلق بتحرر العقل في مقاربته للظواهر قبل الاستجابة للشعارات والصراخ الهستيري المتعلق بالحريات الإعلاميّة الأساسية، الإعلامي المطوّق بخارطة طريق مضلّله تنحّي عقله جانبا وتجعل منه ماكينة كتابية مثل أيّ عرض حالجي يحفظ الاسطوانة نفسها عن ظهر قلب، هي جوهر الإشكالية الإعلامية التي تجعل من أيّ خارطة طريق مجرد استجابات آنية لكلمتين لا ثالث لهما (يجب) و(لا يجب)، يجب التركيز في الحملات الإعلامية على كذا ولا يجب الإشارة إلى كذا، هنا الحاجة متحقّقة لثلّة من الكتَبَة الذين ليس شرط الموهبة مطلوبا منهم، بل أناس إنشائيون سوف يفون بالغرض المنشود وزيادة. ولعلّ الأمر سيزداد اتّساعا باتجاه شعور المواطن القارئ أو المشاهد بنوع من الاغتراب عن بعض من وسائل الإعلام، إن حضَرَتْ لا تُعَدّ وإن غابت لا تُفْتَقَد، يغيب عنها المواطن الصالح أياما وشهورا فيشعر بهدوء البال وقلّة الضجيج النمطي الذي درجت عليه هذه القناة الفضائية أو تلك وهي التي تقود طواقمها إلى سلسلة من التيَهان والتضليل والنمطية التي تبرز فيها المهارات في التنكيل بالخصوم لا أكثر، وهنا تصبح الوسيلة الإعلامية ذراعا ثأرية وقبضة في وجه الخصوم وركلات ترجيحية لا تنتهي. الخبر والتقرير والتغطية تصبح سلسلة لكمات وليس رسائل، فأين سيكون الحديث عن العقل الإعلامي وحريّة الوصول للمعلومات وتعدّد الآراء وما إلى ذلك؟ بل هي خارطة طريق أكثر تشويشا مما نتصوّر.. هذا إن وُجِدَتْ أصلا. كاتب من العراق طاهر علوان
مشاركة :