لكم أثارت علاقة السبب بالمسبب الجدل الفلسفي عند العلماء حتى زخرت المراجع والمواقع بآرائهم، ومع هذا ليس القصد من وراء هذا الحديث للجدل ذاته بقدر دعوتنا للتفكر في مجريات حياتنا التي تجعل جدلية الدجاجة والبيضة تكاد لا تغيب عن أذهاننا، فالإنسان بطبعه يبذل السبب من أجل الحصول على النتيجة التي ترضيه ويقف حائرا إزاء الأحداث التي تحصل دون المسببات أو عكسها، هنا يصر العقل على تفسير الظواهر التي تمر عليه بمراجعة الأسباب وتحليلها ليتعرف على موقفه من الأمور، وينطلق من جديد في محاولة لفهم النفس وتقييم إمكاناتها على طريقة المنولوج الداخلي.. ما بين إيمانه وتوجهه الحسي وعقله وتفكيره المنطقي، مرتبا ذلك في علاقة طردية تجعله يصل إلى أنه جزء من هذا الكون بجميع مخلوقاته الحية والجامدة فتطمئن نفسه بأنه سبب ومسبب في آن الوقت، أما النتائج فتتراوح بين فعل السبب وضرورة ما يقتضيه الخالق عز وجل. وتقع النفس في لجج السؤال (بين أن تفعل السبب أم تركن للاستلام فبعض الأشياء تحدث لنا بلا بذله) فكأس الشاي سيبرد دون أن نقوم بنفخه، والمتأرجح سيسقط دون أن ندفعه للسقوط! وما حصول القدر إلا بقدر، وما تغيير القدر إلا بسبب! فالاستيقاظ مبكرا والذهاب للعمل ليس بالتأكيد سبب للحصول على الثراء، سيما أن بعضا يصبح من غير حول ولا قوة لكنه حتما جزء من سبب لقدر آخر! إن بعض المسببات نتائجها مربوطة بها حتى باتت قاعدة، فينصح المريض بالعلاج في ألمانيا (كسبب للحصول على العافية ويوصى الباحث بالدراسة في أمريكا) للحصول على تعليم متميز). إن مسرح الحياة وتلك الجدلية التي تشغل تفكيرنا ونقاشاتنا، وأقرب الصراعات وأبرز القضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية تجعلنا نسأل: تفشي ظاهرة الفكر المنحرف هل له علاقة بالمنهج أو الطفرة الاقتصادية؟ أو كربط أمراض القلب والتبذير بشرب القهوة أو الربط بين تفشي السفور والتبرج في الأماكن العامة كنتيجة منطقية لتعمد التشكيك في حكم الحجاب أو نوع التربية، فأحيانا يكون الربط ضعيفا غير مقنع وأحيانا يكون قريبا قويا حسب قناعة الشخص. إن قاعدة التخيير والتسيير تجعل العمل سببا في إيجاد النتيجة حسبما الاقتضاء لتغيير كوني آخر يتسبب هو في إيجادها، «فسر الكون يقوم على الأسباب والمسببات وربط النتائج بمقدماتها».
مشاركة :