كثيرة هي الحكايات والقصص التي سمعنا بها أو قرأناها في صغرنا وطبعت في مخيلتنا معان وعبراً لا يمكن نسيانها، خاصة تلك التي تحمل بين طياتها إرث شعب ما أو تجاربه في الحياة. «بائعة الكبريت» قصة قصيرة من التراث الإسكندنافي، قصة أبدع فيها الشاعر والأديب الدانماركي هاني كريستيان أندرسن، وهي تروي حكاية فتاة صغيرة كانت تبيع الكبريت في الشوارع التي كساها الثلج أُمسية عيد الميلاد، ولَم ينتبه أحد لها إلا عندما وجدت جثة هامدة، غارقة في هذيانها وتتناثر حولها أعواد الثقاب. حكايتنا هذه المرة تحمل عنوان «بائعة الشاورما» وهي حكاية لا علاقة لها بالتراث بل هي من التاريخ السعودي المعاصر، هي حكاية مئات المبتعثين الذين حملوا أحلامهم داخل حقائبهم، وارتحلوا إلى بلاد الاغتراب بحثا عن تحقيقها. شبان وفتيات تخرجوا في أهم جامعات العالم، تجدهم والابتسامة ترتسم على شفاههم خلال حفلات التكريم التي تقيمها ملحقياتنا الثقافية كل عام، ولسان حالهم يزخر بعبارات التفاؤل حول المستقبل المشرق الذي ينتظرهم عند عودتهم لخدمة بلادهم. المؤسف هي تلك الحقيقة الصادمة التي انتظرت كثيراً منهم، فلا شواغر في الجامعات، ولا الشركات ترغب بتوظيف شهادات عليا من هذا النوع، ولا معارض التوظيف قادرة على استيعاب كل تلك المؤهلات، فكانت البطالة بالمرصاد. هناك من رفض واقعه وحاول افتتاح مشروعه الخاص كما فعلت بائعة الشاورما نورة الغامدي، خريجة الماجستير في تقنية النانو التي لم تجد لها عملاً يليق بمؤهلها رغم ندرته. الهجرة كانت الحل الأسهل لكثير منهم، فكانت دول الخليج هي الملاذ الأول لتلك العقول المهاجرة، فيما تمكن غيرهم من العودة إلى دول الابتعاث بعد أن كونوا شبكة علاقات خلال فترة دراستهم ساعدتهم في العثور على فرصة عمل. نورة ليست القصة الأولى ولن تكون الأخيرة، ولا يسعني هنا إلا أن أشكر الزميل عوض الفياض الذي أسهم في إيصال صرخة هذه الشابة التي حلمت بكثير، لكن أحلامها ارتطمت بصخور كورنيش الدمام؛ حيث تبيع شطائرها الساخنة كل يوم. قلنا ونقول إن ثقافة العيب لا تكمن في العمل الشريف، وخيار نورة لم يكن يوما عيبا، لكن العيب هو ما حصل معها وما يحصل مع أقرانها كل يوم.
مشاركة :