توزيع الدخل في معظم الاقتصادات المتقدمة

  • 3/9/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

على مدار العقود الثلاثة الماضية، زاد عدم المساواة في توزيع الدخل في معظم الاقتصادات المتقدمة وكثير من الاقتصادات النامية أيضا. لماذا؟ انصب التركيز في كثير من البحوث المعنية بعدم المساواة على إنجازات التكنولوجيا وتحرير التجارة باعتبارهما المحركين الرئيسين في هذا الصدد. ورغم كون التكنولوجيا والتجارة اتجاهين عالميين تصعب مقاومتهما، فقد أشارت دراسات الصندوق إلى أهمية التصميم الذي تنبني عليه السياسات الحكومية وإمكانية أن يساعد على الحد من زيادة عدم المساواة. هناك نتيجة أخرى خرجت بها بحوث الصندوق، وهي أن تصاعد عدم المساواة ينشئ مخاطر أمام النمو الاقتصادي المستمر. وفي ضوء هذه النتيجة، تصبح معالجة عدم المساواة في صلب عمل الصندوق للمساعدة على تحسين الأداء الاقتصادي في البلدان الأعضاء. ومن هنا يبني الصندوق حاليا على سنوات من البحوث التي تعنى بعدم المساواة لتقديم حلول على صعيد السياسات للبلدان الأعضاء، ولا سيما بشأن السبل العادلة لفرض الضرائب وإنفاق الموارد. تعتبر بوليفيا مثالا جيدا في هذا الخصوص، حيث كان لديها واحد من أعلى مستويات عدم المساواة في توزيع الدخل في أمريكا اللاتينية مع نهاية القرن الماضي. وعندما ارتفعت أسعار صادراتها من السلع الأولية في مطلع القرن الحالي، شهدت بوليفيا انخفاضا كبيرا في عدم المساواة أدى إلى وضعها في المستوى الأوسط بين بلدان المنطقة. وحرصا من الحكومة على الاحتفاظ بهذه المكاسب، سعت إلى فهم أسباب الانخفاض ووضع سياسات يمكن أن تحول دون ارتفاع عدم المساواة من جديد نتيجة لهبوط أسعار السلع الأولية في الآونة الأخيرة. وعلى هذه الخلفية، كان عدم المساواة قضية بارزة في مشاورات الصندوق السنوية مع الحكومة في عامي 2015 و2016، التي استندت إلى دراسة مفصلة باستخدام بيانات دخل الأسر في بوليفيا. وأظهر هذا البحث المتعمق أن انخفاض عدم المساواة يرجع إلى اقتسام الثروة المحققة من الصادرات السلعية مع بقية قطاعات الاقتصاد من خلال زيادة الاستثمار العام والتحويلات الاجتماعية ورفع الحد الأدنى للأجور. وأوضحت دراسة أخرى أن التوسع في إتاحة الخدمات المالية يمكن أن يسهم بدور رئيس في تخفيض عدم المساواة. وقد وضع الصندوق نموذجا لاقتصاد بوليفيا بهدف محاكاة السيناريو المرجح لتطور عدم المساواة واختبار أي السياسات يمكن أن يساعد على الاحتفاظ بما تحقق من مكاسب. وتبين أن أفضل السياسات تأثيرا في هذا الخصوص هي الحفاظ على الاستثمار في البنية التحتية وتعزيز كفاءته وتحسين توجيه التحويلات النقدية إلى المستحقين. تقدم إثيوبيا مثالا آخر لمشورة الصندوق على أرض الواقع. فقد راجع الصندوق تطور عدم المساواة في إثيوبيا وقاس الأثر التوزيعي لسياسات تعزيز النمو. ومن توصياته أن تزداد تصاعدية حدود التكليف بضريبة الدخل، وتشجيع أصحاب المدخرات في المناطق الريفية على استخدام الأدوات المالية، وإصلاح الدعم غير المباشر حتى يخدم الأسر محدودة الدخل بصورة أفضل. عند دراسة أسباب عدم المساواة، ركز اقتصاديو الصندوق على ثلاثة من مجالات السياسة: تخفيض عجز الموازنة عن طريق زيادة الضرائب أو تخفيض الإنفاق، وتحرير أسواق العمل، وإزالة الحواجز أمام حركة رأس المال عبر الحدود. ورغم الفائدة التي يمكن أن تتحقق من هذه السياسات، فمن الممكن أيضا في بعض الأحيان أن تسفر عن زيادة عدم المساواة كأثر جانبي. وقد جاءت هذه النتائج استنادا إلى عينة كبيرة وأيدتها الدراسات التي تناولت بلدانا محددة. فقد أكدت البحوث بشأن هندوراس وجواتيمالا وجمهورية الكونغو وأوغندا أن السياسات المالية العامة لها تأثير قوي في عدم المساواة. وأوضحت أيضا أن حجم هذا التأثير يعتمد على كيفية تحصيل الضرائب وإنفاق الإيرادات. وتزداد الآثار الواقعة على عدم المساواة حين يقل اللجوء إلى ضرائب الدخل المباشرة. ومن ناحية أخرى، يؤدي الإنفاق على البنية التحتية إلى تخفيض عدم المساواة. وتؤكد دراسة حالتي إثيوبيا وميانمار أن إصلاحات القطاع المالي يمكن أن تزيد من عدم المساواة إذا ظلت إتاحة الخدمات المالية محدودة وحركية العمالة مقيدة. يتبين من الأهمية التي توليها كثير من الحكومات حاليا لمعالجة عدم المساواة أنها تشعر بالعواقب الاجتماعية والاقتصادية الوخيمة التي يمكن أن تنشأ عن عدم القيام بهذه الجهود. وجاءت نتائج بحوث الصندوق لتؤكد مخاوف تلك الحكومات وتثبت أن عدم المساواة يحد من استمرار النمو الاقتصادي. وقد جذبت هذه النتيجة قدرا كبيرا من الاهتمام لأنها توضح أن زيادة عدم المساواة تفرض تكلفة اقتصادية مباشرة، إضافة إلى التكاليف التي سلط عليها الضوء مؤلفون آخرون، من خارج الصندوق، مثل سيطرة النخب على العملية السياسية وضعف التماسك الاجتماعي. وتؤدي هذه النتيجة أيضا إلى وضع عدم المساواة في نطاق عمل الصندوق؛ ذلك أن تعزيز النمو المستمر، وهو هدف من أهداف مشورة الصندوق، يتطلب بعض الاهتمام بعدم المساواة. فلماذا تنتهي زيادة عدم المساواة بفرض معوقات أمام النمو المستمر؟ في البلدان النامية، قد تؤدي زيادة عدم المساواة في بعض الأحيان إلى أزمات اقتصادية أو سياسية، ما يمكن أن يتسبب بدوره في تحويل النمو عن مساره الصحيح. وفي الاقتصادات المتقدمة، يوضح عمل الصندوق أن زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل قد تؤدي بالأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط إلى الاقتراض المفرط، ما يسفر في النهاية عن اشتعال الأزمات ووقوع سلسلة من الأحداث تماثل ما شهدته الفترة السابقة على كل من الكساد الكبير والركود الكبير. وأوضحت مراجعة الصندوق الأخيرة للاقتصاد الأمريكي أن استقطاب الدخل منذ عام 2000 له تأثير سلبي في الاقتصاد، ما يعوق قاطرة النمو الرئيسة في الولايات المتحدة، وهي الاستهلاك. من الطبيعي أن تقود دراسة أسباب عدم المساواة المفرط والعواقب المترتبة عليه إلى مناقشات حول العلاج الممكن. فعلى سبيل المثال، إذا كانت سياسات المالية العامة تسهم في عدم المساواة، يشير الصندوق بمراعاة ذلك عند تصميم هذه السياسات. والسبب في ذلك هو تداعياته التوزيعية التي قد تكون مهمة في ذاتها بالنسبة لبعض الحكومات ولأنه قد يحد من استمرارية النمو. ويشكل تصميم السياسة المالية العامة عاملا حيويا لكل من إعادة التوزيع والتوزيع المسبق ـــ أي تعزيز المساواة في الفرص للحيلولة دون الوصول إلى مستوى مفرط من عدم المساواة في المقام الأول. وتتضمن هذه السياسات الإنفاق العام على الصحة والتعليم، وهو ما يمكن أن يعزز المساواة في الفرص للمنتمين إلى أسر محدودة الدخل. وفي المقابل، تشير إعادة التوزيع إلى الإجراءات التي تتخذ بعد الحدث لكي تتحقق المساواة في الدخل المتاح ــــ أو الصافي ـــ أكثر من الدخل السوقي. ومن الخطوات المؤدية إلى هذا الهدف تطبيق الضرائب التصاعدية، والتحويلات النقدية للأسر محدودة الدخل، وغير ذلك من أشكال الرعاية الاجتماعية. ويخلص أحد البحوث إلى نتيجة لها انعكاسات على تصميم كثير من السياسات، وهي أن إعادة التوزيع لا تنطوي على أثر سلبي في النمو، ما لم تكن مفرطة. ونخلص مما سبق إلى أن عمل الصندوق قدم مساهمات مهمة لدراسة عدم المساواة. بالنسبة للأسباب، تشير إحدى النتائج إلى أهمية السياسات الاقتصادية كأحد محددات عدم المساواة، وهو ما يعني أن الحكومات يمكن أن تتخذ خطوات لتخفيض عدم المساواة إذا ارتأت أنه مفرط. بالنسبة للعواقب، تبين أن عدم المساواة ينطوي على تكلفة اقتصادية مباشرة تتمثل في الحد من استمرارية النمو ـــ وهو ما يضع هذه القضية في صلب عمل الصندوق. بالنسبة للعلاج، ينبغي مراعاة النتائج التوزيعية في تصميم السياسات، وهو ما يتم بشكل متزايد في المشورة التي يقدمها الصندوق لبلدانه الأعضاء.author: براكاش لونجاني و جوناثان أوستري

مشاركة :