مع اشتداد المعارك واقتراب «عمليات غضب الفرات» من الرقة، بدأ تنظيم داعش يعيد تموضعه في المدينة عبر التشدّد في قوانينه وقبضته الأمنية بإعادة انتشار قواته وحواجزه في المنطقة، في وقت يسجّل فيه قدوم المزيد من مقاتليه وعائلاتهم إلى المدينة، كان آخرها يوم أمس، بحيث وصل عدد منهم من منطقة دير الزور. وأوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن «التنظيم يحاول الإيهام أنه غير خائف وأن وضعه جيد، لكنه بدأ في المرحلة الأخيرة بزيادة حواجزه وتنفيذ حملات اعتقال عشوائية»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: سجّل يوم أمس «وصول مقاتلين تابعين له من دير الزور إلى الرقة عابرين نهر الفرات من الجنوب إلى الشمال». من جهته، يقول أبو محمد الرقاوي من «تجمع الرقة تذبح بصمت»: «في الفترة الأخيرة يقوم التنظيم بحملات اعتقال عشوائية لأسباب تافهة كلها تهدف إلى إجبار الشباب على الانضمام إلى صفوف التنظيم، ووضعهم أمام خيار السجن أي الموت، أو القتال إلى جانبه، وعندها لن يتمكن أي شخص من الهروب أو الخروج إلا إذا كان يملك المال لدفعه في المقابل، وهو ما حصل مع أحد الشبان الذي دفع 20 ألف دولار أميركي للتنظيم، مقابل حريته». ويتوافد إلى مدينة الرقة حاليا أفراد عائلات مقاتلين وكذلك مدنيون يفرون من المعارك العنيفة بين قوات النظام والتنظيم في ريف حلب الشرقي. وكان المرصد قد أفاد بأن «الآلاف من عائلات المدنيين حاولوا الوصول إلى داخل الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، ترافقهم نحو 120 عائلة لمقاتلين وقياديين في صفوف التنظيم»، مشيرا إلى أنه سمح فقط لعائلات المقاتلين بالعبور، عبر منحهم ورقة كتب عليها «عائلة مجاهد في الدولة الإسلامية»، ثم نقلهم إثر ذلك عبر قوارب إلى شرق الفرات حيث مدينة الرقة. ومن ضمن «الترتيبات» التي يقوم بها «داعش» استعدادا لمعركة المدينة القادمة، أنه، عمد قبل يومين، إلى فرض «زي عائشة» على النساء بعدما كان قد فرض قبل أسبوعين «الزي الأفغاني» على الرجال الذي هو عبارة عن جلباب قصير وبنطال واسع قصير، محذرا من عقوبات على من لا يلتزم به. ويشير عبد الرحمن إلى أن هدف التنظيم من فرض «الزي الأفغاني» هو عدم التمييز بين مقاتليه والرجال المدنيين عند حدوث أي اقتحامات أو مداهمات والتمويه، كذلك على المخبرين أثناء إعطاء الإحداثيات لطائرات التحالف، الأمر الذي ينطبق على ما سمي بـ«لباس عائشة» وهو عبارة عن تنورة يلبس معها عباءة طويلة من الرأس حتى القدمين وفوقها النقاب الذي يغطي بدوره الوجه والرأس، وهو الزي الذي ترتديه «نساء كتيبة الخنساء» التابعة للتنظيم. ويوضح أبو محمد «يقوم (داعش) بدوريات دائمة لمراقبة التزام النساء والرجال بالزي وفرض عقوبة السجن أو الغرامة المالية، حتى أنه في الفترة الأخيرة بات يولي هذا الأمر اهتماما أكبر من تفاصيل أخرى، ويلقي القبض على كل مخالف أو مخالفة، وذلك بعدما عادت حواجزه لتنتشر بشكل كبير في المنطقة، إذ إنه وقبل المعارك الأخيرة كان قد بدأ يتراخى قليلا في قبضته». وتتألف «كتيبة الخنساء» أو «الحسبة النسائية» من مئات النساء الأجنبيات والسوريات اللواتي يتولين مراقبة سلوك الفتيات والسيدات في المنطقة التي يوجدن فيها، ويفرض عليهن العقاب من الغرامة المادية إلى العنف النفسي والجسدي، وصولا إلى السجن في قفص في الطرقات أمام أعين الناس. ويلفت أبو محمد إلى أن انتشار «نساء الحسبة» بات لافتا بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وتشكل الأجنبيات اللواتي لا يتكلمن اللغة العربية، النسبة الأكبر منهن، و«كأنها رسالة من التنظيم إلى مقاتليه الرجال الذين باتوا يخافون من الوجود في الشوارع خوفا من القصف». ومع التقدم الذي تحرزه «غضب الفرات»، يعيش أهالي الرقة حالة من الخوف والقلق عما سيكون وضعهم في حال سيطرة الأكراد، بحسب ما يقول أبو محمد «فهم يخافون من معاقبة (قوات سوريا الديمقراطية) لهم على اعتبار أنهم كانوا في منطقة محسوبة على (داعش)، ويتطلعون في الوقت عينه لليوم الذي يتخلصون منه من هذا التنظيم». وهنا، يلفت إلى وضع ما بات يعرف بـ«أطفال مكتومي القيد» والنساء اللواتي كنّ قد أجبرن على الزواج من مقاتلي «داعش» ومعظمهم من الأجانب ممن تزوجوا ثلاث وأربع نساء، موضحا «بات هؤلاء أمام واقع أن أزواجهم سيغادرون الرقة ومع كل منهم زوجة واحدة فيما يرجّح أن يترك الأخريات لمصيرهن مع أطفالهن الذين سجّلوا في إدارات (داعش) بأسماء وهمية، كانت تطلق على مقاتلي التنظيم وقياداته، وهو الأمر الذي سيشكّل مشكلة للأمهات والأطفال الذين باتوا من دون نسب أو عائلة».
مشاركة :