نجحت في الساعات القليلة الماضية الوساطات التي قام بها أكثر من طرف بوقف المواجهات المسلحة التي تجددت بين «حركة أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» مطلع الأسبوع الحالي في ريف إدلب الغربي، حتى إن أكثر من مصدر تحدث عن عقد مصالحة بين الطرفين وعن تقديم «الهيئة» تنازلات في هذا المجال على خلفية الهزة التي تعرضت لها من الداخل جراء حالات انشقاق قياديين منها رفضا للاقتتال الحاصل مع «الأحرار». وقال أبو علي عبد الوهاب القيادي في «جيش الإسلام» في إدلب لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصالحة تمت بين الطرفين مساء الثلاثاء وإن اجتماعا عقده قياديون من الصف الأول انتهى إلى قرار بإزالة الحواجز التي تم استحداثها بعد الاشتباكات الأخيرة، وإعادة الحقوق لأصحابها وتشكيل لجنة للنظر في الأمور العالقة بينهما». من جهته، تحدث هادي العبدالله، الناشط المعارض البارز الموجود في الشمال السوري، عن أن تلويح عدد كبير من قياديي «هيئة تحرير الشام» بالانشقاق وإقدام بعض منهم فعليا على ذلك رفضا للاقتتال مع «الأحرار»، أدّى لمسارعة الهيئة لتلقف الوضع وإتمام المصالحة، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاشتباكات الأخيرة أدّت لانشقاقات في الهيئة شملت شرعيين وسياسيين بارزين، منهم الشيخ عبد الرزاق المهدي، الذي أعلن انضمامه لـ«الهيئة» حين تشكيلها، إضافة إلى الشرعي الأول فيها، عبد الحليم عطون، كما أعلن عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين الزنكي»، المنضوية تحت «هيئة تحرير الشام»، ياسر اليوسف، وزميله بسام حجي مصطفى استقالتهما منها قبل أيام. وأوضح العبدالله أن أحد قياديي «جبهة النصرة» السابقين أورد على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي قبل إتمام المصالحة أن «الشيخ المحيسني يعلن عجزه التام عن إيقاف البغي... وأبو مارية القحطاني يتوجه إلى المسطومة ليوقف البغي ويهدد بالانشقاق إذا لم يتوقف». وفي وقت لاحق، أوردت وكالة «آرا نيوز» أبرز ما تضمنه اتفاق المصالحة بين الطرفين لجهة «سحب جميع المظاهر المسلحة بين الطرفين وبدء التهدئة وسحب الحواجز العسكرية التي تم إقامتها من قبل الهيئة والأحرار بعد بدء المعارك بين الجانبين وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين من الجانبين فوراً وانسحاب مقاتلي هيئة تحرير الشام من معسكر المسطومة، الذي استولت عليه بريف إدلب بعد طرد مقاتلي حركة أحرار الشام، وإعادة السلاح الذي استولت عليه الهيئة من هذا المعسكر وتشكيل لجنة مؤلفة من الشيخين حسن صوفان ومظهر الويس لحل القضايا العالقة بين الطرفين». وانسحبت عناصر «حركة أحرار الشام» الثلاثاء من معسكر المسطومة الواقع بين مدينتي إدلب وأريحا، وكانوا قد سيطروا عليه بوقت سابق مستفيدين من المواجهات التي كانت محتدمة بين «جند الأقصى» و«تحرير الشام»، بعد استخدام الأخيرة السلاح الثقيل في الاشتباكات التي اندلعت الاثنين وأدّت لوقوع عدد كبير من الجرحى. وقال مصدر قيادي في «حركة أحرار الشام» لـ«الشرق الأوسط» فضّل عدم الكشف عن هويته؛ نظرا لحساسية الوضع في ريف إدلب، إن الحركة «ارتأت الانسحاب من المسطومة التي كانت تحت سيطرة (جند الأقصى) بوقت سابق وتم تحريرها من قبل عناصرنا، نتيجة الهجوم الشرس الذي شنته (تحرير الشام) الاثنين واستخدمت خلاله السلاح الثقيل؛ ما أدّى لسقوط عدد من الجرحى في صفوفنا كما في صفوف المدنيين». وقال: «فضلنا الانسحاب لإسعاف الجرحى، وبخاصة أن كل المنطقة المحيطة بالمسطومة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام». ووصف المصدر سلوك الهيئة بـ«غير المنضبط أو المقبول»، لافتا إلى أنه «كان هناك اتفاق على معالجة الخلافات في المحكمة وعبر القضاء، إلا أنهم ارتأوا اللجوء إلى قوة السلاح وهذا أمر خطير للغاية، ونحن لن نتهاون في الرد على أي اعتداء تتعرض له الفصائل التي انضمت إلينا حديثا». من جهته، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن تصاعد وتيرة التوتر بين كبرى فصائل إدلب، يندرج في إطار «شكوك (تحرير) الشام حول قيام جيش المجاهدين الذي انضم لـ(أحرار الشام) في وقت سابق، وفصائل أخرى عاملة في إدلب، بتزويد التحالف الدولي بمعلومات وتفاصيل ومواقع لهيئة تحرير الشام والقادة (الجهاديين) والقيادات (الجهادية العالمية) الموجودة في صفوف الهيئة، الذين اغتيل عدد منهم، وآخرهم القيادي الجهادي العالمي أبو الخير المصري الذي اغتيل بضربات نفذتها طائرات التحالف الدولي على منطقة المسطومة، مع شخص آخر كان برفقته في سيارة كانا يستقلانها بالقرب من معسكر المسطومة بريف إدلب». وكانت شرارة المواجهات في ريف إدلب انطلقت مجددا مطلع الأسبوع الحالي، إثر انضمام عناصر ورشة تصنيع الأسلحة الخاصة بـ«أحرار الشام» إلى الهيئة، وسيطرة الهيئة على الورشة، الأمر الذي اعتبرته «الحركة» اعتداء عليها.
مشاركة :