تقودنا "لميا زيادة" في كتابها الجديد "يا ليل يا عين" إلى دروب المتعة، فما إن نفتح أولى صفحاته يخطفنا بسحره، ويغمرنا بفيضٍ من حنين. تظهر أمامنا شخصياتٌ نعرفها ولم نلتق بها من قبل وكأننا في فيلمٍ سينمائي مذهل، ورويداً رويداً ننسى ما حولنا مأخوذين بعالمٍ من الجمال نبحر فيه. في "يا ليل يا عين" تروي الكاتبة حكاية قرن كامل من الفن والسياسة والمجتمع، معتمدة على كتابة مقاطع صغيرة أبطالها نجوم الزمن الجميل من مطربين وملحنين وممثلين وراقصين، وتضيف إلى هذه المقاطع رسوماتٍ نفذتها اعتماداً على صور وأفيشات أفلام وذكريات وخيال. اعلان بدأ هذا المشروع برغبةٍ من الكاتبة في أن تروي حكاية "أسمهان"، لذلك فإن السرد يبدأ مع ولادتها عام 1917 على متن سفينة، ويعرض أهم النقاط البارزة في مسيرتها، حتى وفاتها غرقاً. أسمهان "ما بتنا نعرفه اليوم، ولم يكن ليخطر على بال أحد من ركّاب تلك الباخرة، هو أن تلك الطفلة التي كانت أمها تضمها إلى صدرها، الأميرة الصغيرة آمال الأطرش، ستصبح ذات يوم الفنانة الشهيرة أسمهان. كما نعرف ما توقعه لها أحد العرافين الضاربين بالرمل وهي في الخامسة عشرة من عمرها: "على الماء ولدت وفي الماء تهلكين". ولا أحد يفوته أن أسمهان قضت غرقاً بشكل مأساوي في نهر النيل وهي في السابعة والعشرين". ورغم أن هدف الكاتبة كان "أسمهان" في البداية إلا أن كمّ الحكايات الطريفة والمعلومات المدهشة التي حصلت عليها أثناء عملها جعلها تنحرف قليلاً عن ما خططت له، لتصبح حكايات نجوم ذلك الزمن ركناً أساسياً في هذا السرد.أقوال جاهزة شاركغردحكايات طريفة ومعلومات مدهشة عن نجوم الزمن الجميل من مطربين وممثلين وراقصين، في كتاب "يا ليل يا عين" شاركغرد"يا ليل يا عين" حكاية قرن كامل من الفن والسياسة والمجتمع عبر قصص ممتعة عن أبرز فناني الزمن الجميل هكذا، سنقرأ عن نشأة أم كلثوم وبداياتها وأهم المواقف والأحداث التي وسمت مسيرتها، كما سنقرأ عن نشأة الملاهي الليلية في القاهرة، وعن "بديعة مصابني" التي تغيّر على يدها أسلوب الرقص الشرقي، وكان لها الفضل في انطلاقة "تحية كاريوكا" و"سامية جمال" وشهرتهما. كما سنقرأ عن تفاصيل ظهور السينما في مصر وأسرار صناعتها، ومن هم أبرز روداها، وكيف كانت تنعكس المواقف الحياتية لنجوم تمثيل الأفلام على حبكة الفيلم وقصته. وسنقرأ عن ذبول نجم "منيرة المهدية" و"فتحية أحمد"، وعن أغنيات "فريد الأطرش"، وعفوية "صباح"، وأحلام "نور الهدى"، وألحان "القصبجي"، وخفة ظل "محمد عبد الوهاب" وتجديده في الموسيقى العربية بإدخال الآلات الغربية عليها، وعن صعود نجم "ليلى مراد" التي أصبحت أهم نجمات السينما في الأربعينيات على الرغم من ديانتها اليهودية، وعن أسباب عدم وصول "سعاد محمد" إلى الشهرة التي تستحقها. وسنقرأ عن العلاقات الغرامية والعاطفية التي ربطت بين هؤلاء الفنانين، والحياة الصاخبة والضاجة التي عاشوها، والفضائح السياسية والجنسية التي تعرضوا لها، والصراعات المكائد التي كانت تحاك في ما بينهم بشكل خفي. إلى جانب التاريخ الفني يعرض "يا ليل يا عين" تاريخ قرن من الأحداث السياسية والاجتماعية، بدءاً من سقوط الامبراطوية العثمانية ثم الاحتلال الفرنسي للبنان وسوريا والبريطاني لمصر، والنكبة الفلسطينية، مروراً بحكم الملك فاروق في مصر، وثورة تموز (يوليو) التي أطاحت بالنظام الملكي، وأوصلت جمال عبد الناصر في ما بعد إلى سدة الرئاسة. لا يعرض الكتاب هذه الأحداث كتوثيق بل يقرأ انعكاساتها على حكايات شخصياته وتأثرها بها، ويتطرق إلى شخصيات جديدة كان لها دور بارز في النهضة، ومن بينهم "روز اليوسف" التي أسست الصحيفة الوحيدة في العالم التي تحمل اسم صاحبتها، و"هدى شعراوي" التي ناضلت من أجل قضية المرأة ونظمت أول مسيرة نسائية ضد الاحتلال الانكليزي. نقرأ في هذا الكتاب عن ذبول نجم "منيرة المهدية" وعفوية "صباح" وأحلام "نور الهدى" وخفة ظل "محمد عبد الوهاب" شاركغرد القسم الأكبر من الكتاب تجري أحداثه في القاهرة لأنها كانت مقصد الحالمين بالشهرة والأحلام، فكل من أراد التمثيل أو الغناء عليه أن يذهب إليها، وهذا ما فعلته "نور الهدى" و"سعاد محمد" و"صباح" و"بديعة مصابني"... اللواتي ذهبن إليها ففتحت لهن أبواب المجد، ولكن هناك من غيّرت هذه القاعدة، برفضها السفر، فراح كبار المخرجين المصريين يقصدون بيروت لتصويرها، إنها "فيروز" التي بزغ نجمها مع الرحابنة، وأضفوا معاً نسمة انتعاش جديدة على الموسيقى بألحان وكلمات الأغاني التي ابتدعوها. تزيّن "لميا زيادة" الكتاب بمجموعة من الرسوم لفناني ذلك العصر، ولأبرز أحداثه، وقد قامت برسمها اعتماداً على ما شاهدته من صور في صحف ومجلات ذلك الزمن أو في الأفلام السينمائية التي مثلّوها، أو اعتماداً على خيالها في بعض الرسوم، وعلى ذاكرتها في بعضها الآخر، إذ ثمة مقاطع تسرد فيها علاقتها وعلاقة أسرتها ببعض الفنانين. تحكي عن حضور جدها لأحد حفلات أم كلثوم، وعن مقابلة جدتها لأسمهان في احتفال قصر الصنوبر في بيروت، وعن زيارة "فيروز" لمتجر أقمشة جدها. "دخلتْ يوماً متجر جدي في سوق الطويلة وكنت أنا موجودة. كان هذا في بداية السبعينات. ومع أنني لا أحتفظ من تلك المرحلة إلا بذكريات مبهمة، بقي ذلك النهار الربيعي المبارك محفوراً إلى الأبد في ذاكرتي. كانت برفقة شقيقتها وقد غطت رأسها بمنديل معقود تحت ذقنها وارتدت معطفاً مشمّعاً (...) وعندما نطقت تلك الكلمات "كيفك أنت خواجة أنطوان؟"، رداً على الترحيب الذي استقبلها به جدي، تسمّرت في مكاني. فقد تعرفت في الحال على صوتها". هذا الكتاب صعبٌ على التصنيف، فهو يمزج بين الرواية والتاريخ والفن والموسيقى والسينما، فيه الطرفة التي تغرقنا في الضحك، والأحداث المأساوية التي تحفز دموعنا. وفيه قبل كل شيء: المتعة. وتحقيق المتعة ليس أمراً سهلاً على كتاب. لميا زيادة، فنانة وكاتبة لبنانية مقيمة في باريس. عملت في الرسم لمجلات فنية وثقافية فرنسية، ولكتب الأطفال. لها كتابين يمزجان بين الرسم والسرد: "باي باي بابيلون"، و"يا ليل يا عين". الناشر: هاشيت أنطوان/ بيروت عدد الصفحات: 572 الطبعة الأولى: 2017 يمكن شراء الرواية من موقع نيل وفرات أو موقع متجر الكتب العربية جملون.اقرأ أيضاًرواية من لبنان: ليمبو بيروتقبل شراء تذكار من لبنان، تعرّفوا إلى ما يوفّره لكم مصرفه المركزيكونتيسة لبنانية وعشيقها الفرنسي في نيويورك فايز علام فايز علام كاتب سوري يعمل محرراً وعضواً في لجان القراءة في عدد من دور النشر. مهتم بالشأن الثقافي وبصناعة النشر في العالم العربي. يعدّ حالياً بحثاً عن الرواية العربية ويكتب بشكل مستمر لرصيف22. كلمات مفتاحية الزمن الجميل رواية لبنان مصر التعليقات
مشاركة :