«بالّذي هوَ أخضرَ» عن فائض تفعيليّ حزين

  • 4/25/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يُصنّف الشاعر السوري محمد علاء الدين عبدالمولى القصيدة العربية، بناءً على رؤية صديق له، ابتكر التسميات الآتية، ليستقيم نقدياً الحكم على النوعية الشعرية: «نظام قصيدة البيت، نظام قصيدة التفعيلة، نظام قصيدة النثر»، وتبدو التسميات أليفة، لولا الاستهلال بالنظام بدلاً من المباشرة بقصيدة كذا، ذلك أن أي قصيدة في الكون، لا تحتاج إلا إلى أن تقمع نظامها، وتتمرّد عليه، لتتطور. إنَّ قصيدة التفعيلة بنسجها الجديد تطوّرت أخيراً من حيث المعنى لتناسب الألم العربي المعاصر، ألم الوطن، ألم الاحتلال، ألم النهب الفكريّ، والسرقات الإنسانية، كما في قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي بُنيت كل قصائد التفعيلة لاحقاً على ارتكاز لفظي ومعنوي، منه وله، ولم يخرج إلا شعراء قلّة بتجربة ذات بُعد شخصيّ، ثم تفعيليّ، يغاير درويش، ويزيد على ما قدّمه، من إضافات للقصيدة ذات الوزن. في حين أن مفهوم عمود الشعر كما أرسى قواعده المرزوقي في مقدمة شرحه حماسةَ أبي تمام ليس له علاقة بقصيدة البيت التي كتبها المحدثون، ولا يزال يكتبها بعض المعاصرين. لم يُعرّف عبدالمولى بقصيدة النثر، على رغم أن لديه «مخطوطات قصائد نثر لو طبعت لشكّلتْ مجلدين كبيرين» كما يقول، وظل على التصاق بقصيدة التفعيلة والبيت، إذ أصدر أخيراً ديوانه الرابع عشر «بالّذي هوَ أخضرَ» (دار نون للنشر، الإمارات/ ٢٠١٤)، حيث يعمل الشاعر الحمصيّ الأصل على تفعيل مفهوم القصيدة الكلاسيكية، برؤية حديثة تخرجها من المعنى التقليدي الموروث، إلى المعنى الذي يجعلها في قلب التجربة الشعرية المعاصرة، وفق الناشر. ولكنْ، هل ما زال القارئ على انشداد إلى القصيدة الكلاسيكية، في ذائقته الشعرية؟ يقول عبدالمولى: «بالطبع، هناك ذائقةٌ خاصة لا تتصل بالجمهور الذي لا أؤمن كثيراً بمعناه الحقيقي في ثقافتنا العربية، هذه الذائقة عبارة عن رؤية نقدية معاصرة وحديثة، لكنها مؤسسة على فكرة الاستمرار والتواصل في موضوع الإبداع، مؤسسة على جماليات الذاكرة الكلاسيكية المبدعة التي تتجاوز المفهومَ التقليدي للقصيدة العربية الموزونة». في قصيدة «من أغاني لوركا الدمشقي»، يصوغ عبدالمولى في ديوانه الأخير، معنًى جديداً يتراوح بين التزام الإبداع والطوفان مع روح شعرية صديقة في عالم المعنى الشعري، على رغم أن الشكل والألفاظ تُكرِّر أعماق الموروث، بلا نوافذ إنسانية جديدة، يكتب: «لماذا تثير الأنوثة أعماق بئر الحكاية في شهريار/ وأنت لماذا تديرين بين الأنامل أسطورة هشة/ لا تقاوم إزميل عاصفة قادمة؟». لم تُترجَم القصيدة التفعيلية المعاصرة، إلى لغات العالم، بعيداً من أسماء من مثل: درويش، قباني وأدونيس... وآخرين، هناك جفاء بين الإنتاج التفعيلي المعاصر والمترجمين، لكنّ عبدالمولى يجزم بأنّ الوزن لا يُنفِّر المترجمين، وليس هو القضية التي تجعل قصيدة النثر رشيقة ومتحررة، ومنفتحة على القراءة بلغات ليست عربية: «المترجم لا يهمه الوزن الذي يذهب كليةً في الترجمة، ويستوي في ذلك شعرٌ موزونٌ وقصيدة نثر. فكما ينشغل المترجم بالمعنى والصورة والرؤيا والتجربة في قصيدة موزونة، سينشغل بالأمور نفسها في قصيدة نثر». لم تُعْطِ المنحةُ التي حصل عليها الشاعر، من مؤسسة Casa Refugio Citlaltépetl، في المكسيك، تجربتَه «مفهوم المنفى»، كما يُفسّر: «تلقّيت دعوةً لسنتين أعود بعدهما إلى سورية. ولكنّ ما جرى في سورية اضطر المؤسسة إلى تجديد المنحة سنةً ثالثةً». وقد قام عبدالمولى في عام 2011 بإعداد أنطولوجيا من الشعر السوريّ، لشعراء من جيل الثمانينات وما بعدها، تُرجمتْ إلى اللغة الإسبانية وصدرتْ. يضيف: «كثيرون من أصحاب الأنطولوجيات العرب يستسهلون اختيار قصيدة النثر، وهذا لا علاقة له بالترجمة بمقدار ما له علاقة بطبيعة فهمهم للحداثة وتجربتها العربية، وهي ليست تجربةً مُبشِّرةً بالوعي على كل حال». حمص مدينة ذات مناخ ثقافي حقيقيّ، مختلف عمّا تتصنّعه وتُكرِّسه دمشق، في بعض الأحيان، وهي مدينة الشاعر التي: «انقلبتْ وهربتْ بين زحام الخراب والدم والقتل والشتات. وتراكمتْ طبقات من القهر والحقد في نفوس أهلها، ولن يزولا بسهولة مع الوقت». يرى عبدالمولى أيضاً أن حمص، الآن، هي «الغصة التي تنتابني كلما تحدثت عنها أمام حضور مكسيكي، في الشعر وغير الشعر. لقد كتبت عنها نصوصاً شعريةً ونثريةً كثيرة. حمص رحمة الله عليها باختصار». ولعل «خراب المكان خرّب الصورةَ البصريةَ الحالية. وجعل الصورةَ القديمةَ كأندلس مفقودة متخيلة». وماذا عن سورية واقعياً؟ يقول الشاعر الذي يباشر في قصائده الأخيرة حواراً مع الذات والعالم واللغة والحب والحزن والموت، لكنه حوار مرتجل وفق مسموع ومكتوب شعريّين قديمين، ومتوازيين مع ضرورة الإيقاع الشكلانيّ، إنه حوار يصغي إليه من هو مهتم بترديد أصوات العرب الماضية، في انعزال عن انكشاف الحداثة الحالية، حتى حداثة الوعي السياسي العربيّ الشعبيّ، حداثة تكسر جداراً بين الغرب والشرق، أسمك من جدار برلين، وبصوت أفظع وبضحايا أكثر، وقمع يفطر الروح. ذلك أن الانقسام والتقسيم محال، مع وجود الإنترنت، وتلميع الطغاة (في السياسة وغيرها) وتزينهم، أصبح محالاً، بخاصة أن اليافعين من البشر جسداً وفكراً، يمكنهم الآن التحكّم بمصير البلاد، ببوست قصير، يُكتَب على صفحات «الفايسبوك» الشخصية، بوست قصير من كلمات عدّة، فيها من الشعر والواقع والأسطورة، الكثير، سيهدم أسوار الكون، كقطعة بسكويت هشّة. عبدالمولى، شاعر حمص، وابنها الموجوع، من أمومة فائضة بالموت، يقول عن المنابر: «هنا لا يحضر الناس مجاملةً لأحد، لا صديق ولا غريب، يحضرُ الذي يَعُدّ الشعرَ قضيةً من قضاياه المركزية، يحضر من يريد تناول قربان الفنّ من مائدة الجمال. تجربتي في الإلقاء هنا غريبة، أفتقد فيها حرارة التلقّي المباشر بسبب اللغة، ولكنّ المدهش في كل مرة، ذلك السحر الذي يغرق فيه الحضور، وهم يسمعون موسيقى اللغة العربية». شعرشعراء العرب

مشاركة :